في اطار الحراك الاستراتيجي المتصاعد لتوظيف العقبة كرافعة اقتصادية، تتسارع خطى الحكومة لترسيخ هذه المدينة كقاعدة وطنية للتعبير عن مفهوم «التحديث الاقتصادي»، فبين جانبي البحر الاحمر وصخور وادي رم هناك الكثير ممكن ان يُحدث نقلة نوعية في هذه المنطقة تمهد لخطوات عملية لتحويل العقبة إلى مركز إنتاج وخدمات يمكن ترويجه دوليا كمحور استثماري وسياحي متكامل يخدم الاقتصاد الوطني ويستقطب رؤوس أموال نوعية.
زيارة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسّان لتسعة مواقع تنموية ومؤسساتية في مختلف أنحاء العقبة، ووضعه لحجر الأساس لمشروعين نوعيين في قطاعات الطاقة والتخزين الصناعي، تمثّل ترجمة عملية لتحقيق رؤية جلالة الملك لهذه المدينة المختلفة نوعا ما، وعلى جانب اخر فهذه الزيارة بالتأكيد ليست استعراضية بقدر ما هي بداية لتحويل المدينة إلى عقدة اقتصادية لوجستية، صناعية وسياحية قادرة على خدمة الاقتصاد الأردني واستقطاب الاستثمارات، خاصة مع بيئة تشريعية مرنة وحوافز تنافسية تتمتّع بها منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة.
في قراءة لجولة د.حسان في العقبة، نجد انها خطوة تعكس التحوّل من التخطيط إلى التنفيذ، ولا شك انها تعتبر تمهيدا عمليا لتحويل المدينة وما حولها مما كان معروفا عنها بانها مناطق سياحية الى حالة استثنائية من التطور الحقيقي في المجالات المتعددة والمشاريع التنموية ذات الابعاد المختلفة، خاصة وانه يمكن للعقبة ان تلعب دورا فاعلا في شبكة عبور اقليمي مستقبلا، ويمكن ان تكون نموذجا مطورا لأردن المستقبل.
الاكيد ان زيارة د.حسان الى العقبة لم تكن تفقدية عابرة، بل هي إعادة تعريف لموقع المدينة في خريطة الأردن التنموية، وما كان من تصريحات الرئيس الا دليل على اهمية ان تُصاغ العقبة اليوم كمركز متكامل للصناعة، السياحة، الطاقة، والبيئة ....الخ، لكن التحدّي القادم يتمثّل في ترجمة هذه الرؤية إلى واقع مؤسسي وتشريعي يُمكّنها من الاستدامة والتعميم، فهل نحن مستعدّون لتوسيع نموذج العقبة ليصبح بوابة الأردن نحو المستقبل؟.
الخطوة التالية ليست البناء فحسب، بل هي في كيفية تسويق المدينة بالشكل الذي يليق بإمكاناتها، فهي تمتلك اليوم كل مكوّنات النجاح الاستثماري من بنية تحتية جاهزة، مؤشرات نمو، شراكات دولية، وموقع استراتيجي. لكن ترجمة هذه المزايا إلى عقود استثمار فعلية أو تدفقات سياحية يتطلب إدارة تسويقية متخصصة، وتعاون مؤسسي بين القطاعين العام والخاص، فالعقبة لم تعد مشروعا محليا... بل منتجا وطنيا قابلا للتصدير والاستثمار.
المدن حول العالم مهما تواضعت امكاناتها او عظمت لابد ان تواجه تحديا يتمثل في الترويج عنها، هكذا نجحت واصبح يُشار اليها بالبنان، والعقبة ليست اقل جاذبية من مثيلاتها، الا ان الاختبار الحقيقي امام المسؤول يكمن في كيفية الانتقال من العرض المادي إلى السرد الترويجي، ومن الإنجاز إلى التمكين المؤسسي والتسويقي الذي يحوّل العقبة إلى نقطة الانطلاق الحقيقيّة للأردن الاقتصادي.
ما هو مطلوب الآن يتجاوز دعم تنفيذ المشاريع، لاعادة النظر في المنظومة التشريعية والمؤسسية بما يتناسب مع المتغيرات العالمية لتمكين هذه المدينة الاستثنائية من لعب دورها الكامل في العملية الاقتصادية التنموية الأردنية.