جفرا نيوز -
بقلم: السفير السابق د. علي كريشان
تعتبر تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الأخيرة بشأن بناء كنيس يهودي في المسجد الأقصى مثالاً جديداً وخطيراً للغاية على مساعي إسرائيل لتغيير وضع وهوية القدس والأماكن المقدسة في القدس، هذه التصريحات التي أثارت غضب العالم الإسلامي وأثارت قلق الأردن تحديداً تأتي في إطار الإستفزازات ضد المسجد الأقصى، وهو المكان المقدس الخاص بالمسلمين حصرا، هذه التصريحات تسيء إلى مشاعر المسلمين وتسبب التوترات في جميع أنحاء العالم.
وأمام هذه التصريحات والتي لم تكن وليدة يومها، وإنما هي العقل المتطرف الإسرائيلي، نعاود إلقاء الضوء على الوصاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
تعود جذور العلاقة بين الهاشميين والمسجد الأقصى إلى عام 1924، خلال فترة حكم الشريف حسين بن علي، حيث تبرّع يومها بمبلغ 24 ألف ليرة ذهبية لإعمار المقدّسات الإسلامية في الحرم القدسي الشريف، وحينها، أُطلق على تلك الخطوة اسم "الإعمار الهاشمي الأول”، ليُبايَع بعد ذلك وصيًا على القدس.
لقد احتفظ الأردن بحقّه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس المحتلة، بموجب اتفاقية وادي عربة التي وقّعها مع إسرائيل عام 1994.
وتنصّ الفقرة الثانية من المادة التاسعة في الاتفاقية على أن تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدّسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى لدور المملكة التاريخي في هذه الأماكن.
وبناء عليه، فإن الملك عبدالله الثاني، هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدّسة في القدس، وله الحقّ في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها.
وينطلق الموقف الأردني الثابت من أن القدس الشرقية أرض محتلة، السيادةُ فيها للفلسطينيين، والوصايةُ على مقدساتها الإسلامية والمسيحية هاشمية، يتولّاها ملك المملكة الأردنية الهاشمية جلالة الملك عبدالله الثاني، ومسؤوليةُ حماية المدينة مسؤوليةٌ دولية وفقاً لالتزامات الدول بحسب القانون الدولي والقرارات الدولية.
الموقف الأردني الثابت أيضاً يتمثل في أن القدس الشرقية عاصمةُ الدولة الفلسطينية المستقبلية، على حدود الرابع من حزيران 1967، وأن جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية فيها، سواء في ما يتعلق بالنشاطات الاستيطانية، أو مصادرة الأراضي، أو التهجير، أو تغيير طابع المدينة، إجراءاتٌ مخالفة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقرارات الدولية ذات الصلة.
أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس تُشكل الورقة "الضامنة” لحماية القدس والحفاظ على عروبتها، وهذا يعيدنا إلى الجهود الأردنية الدائمة التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني في الدفاع عن القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، التي تُشكل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي والقضة الفلسطينية.
وإذا كان الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير قد صرح أنه ينوي إقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى في المحتلة، على إعتبار أن القانون كما يدعي يساوي بين حقوق المسلمين واليهود في إقامة الصلوات بالمسجد الأقصى، فإن على حكومته المتطرفة إحترام اتفاقاتها مع الأردن تلك الاتفاقيات التي يعلمها نتيناهو وبن غفير وسوميرتش وغالانت وغيرهم جيداً ويتغاضون عن التعامل معها.
وقبل نحو أسبوعين، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي مع عضو آخر في حكومة بنيامين نتنياهو ونحو 3 آلاف مستوطن المسجد الأقصى.
وسبق أن أعلن بن غفير أنه بصفته يمثل المستوى السياسي فإنه قرر السماح بالصلوات لليهود في المسجد الأقصى، وهو امر حاولت حكومة اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو التنصل منه، رغم أنه اقتحامات المستوطنين للمسجد باتت تشهد أداء متكررًا للصلوات والطقوس دون ردة فعل من قوات الاحتلال.
ولما يبقى ان نقول انه وإلى جانب الرعاية الهاشمية للمقدسات في القدس، خاض الأردن وجيشه العربي انطلاقاً من مسؤولياته الوطنية والقومية، معارك بطولة وفداء في عام 1948 دفاعاً على القدس وعروبتها، ونجح في منع سقوط المدينة في يد الاحتلال.
وفي عام 1950، أصبحت القدس الشرقية، كبقية مناطق الضفة الغربية، جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية بعد إعلان الوحدة بين الضفتين.
ويبقى بن غفير في مواجهة الأردن في وصايته للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وكلنا ثقة بحكمة وحنكة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم و صلابة الموقف الرسمي للدولة الأردنية في التصدي لكافة محاولات تغيير الوضع القانوني والتاريخي للمدينة المقدسة بكل كفاءة واقتدار.