جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
«اختفى مساعدو الأسد وأتباعه مؤخرًا، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون بأسلحتهم ويتمتعون بموارد مالية ضخمة. النظام السابق قد أصبح غير مرئي، لكنه لم ينتهِ بعد»، لبيب نحاس، ناشط سوري.
بعد مرور أربعة عشر عامًا من المعاناة والألم، أنهكت الحرب الشعب السوري وأرهقت كاهله، مما يجعل السعي نحو السلام وإعادة إعمار البلاد ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل.
يتقدم أحمد الشرع -قائد العمليات العسكرية ورئيس هيئة تحرير الشام- بمبادرة للمصالحة الشاملة، معربًا عن نواياه الصادقة للحوار مع جميع الأطراف، غير أن طريق المصالحة محفوف بتحديات جسيمة ومخاطر متعددة، نستعرضها فيما يلي:
1 - الفصائل المسلحة: تتصدر قائمة التحديات مشكلة الفصائل المسلحة المنتشرة في جنوب سوريا، والتي يصل عددها إلى خمسة وعشرين فصيلاً. ويُثير القلق بشكل خاص محاولة تنظيم داعش إعادة بناء نفسه. ورغم حالة التوافق الظاهري بين هذه الفصائل حاليًا، إلا أن هذا الوضع قد يتبدل سريعًا إذا بدأت بعض القوى الإقليمية بدعم فصائل معينة على حساب أخرى، مما قد يؤدي إلى اشتعال فتيل النزاعات الداخلية. كذلك قامت الولايات المتحدة باغتيال قائد داعش في سوريا قبل يومين مما قد يجعل السلطة الحاكمة في مواجهة مباشرة مع داعش.
يجب الإشارة إلى الدور الذي لعبه الكيان الصهيوني خلال الأزمة السورية، حيث قدم دعمًا سخيًّا لبعض الفصائل، وأقام علاقات وثيقة مع قياداتها، وصلت إلى حد عقد لقاءات في طبريا وإنشاء مستشفى خاص لعلاج مقاتليهم.
كما تلوح في الأفق احتمالات نشوب صراعات داخلية مستقبلية، قد تنشأ إما من طموحات بعض القيادات في المشاركة بالسلطة، أو نتيجة لضغوط دولية تستهدف حل هذه الفصائل وتجريدها من سلاحها.
2 - كبار قيادات النظام السابق: رغم انسحاب كبار قادة النظام السابق من المشهد السياسي، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون بموارد مالية هائلة وترسانة عسكرية، إضافة إلى شبكة من الموالين على الأرض. ويتركز هدفهم الأساسي على تقويض شرعية النظام الجديد وإفشال مساعيه السياسية.
3 - إيران والفوضى السياسية: تجد إيران مصلحة استراتيجية في استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا، حيث يتيح لها ذلك فرصة ذهبية لمواصلة إمداد حزب الله بالأسلحة عبر الأراضي السورية.
4 - تركيا والتوسع العسكري: تمثل العلاقة مع تركيا معادلة معقدة، فرغم دعمها لهيئة تحرير الشام وسعيها للعب دور محوري في سوريا الموحدة، إلا أن المستقبل يحمل بذور خلاف محتمل حول المناطق الخاضعة للسيطرة التركية، ويزداد هذا التوتر مع استمرار العمليات العسكرية ضد الأكراد، وتمسك تركيا بموقفها الرافض للانسحاب إلا وفق شروطها وتوقيتها.
5 - الصهيونية والتفكيك الاستراتيجي: يشكل الوجود الصهيوني في الأراضي السورية المحتلة تحديًا استراتيجيًّا؛ حيث تسعى إسرائيل جاهدة لمنع توحيد سوريا من خلال دعم مشاريع الحكم الذاتي للدروز على حدودها والأكراد في الشمال، تماشيًا مع استراتيجيتها لتفتيت المنطقة. غير أن هذا الملف قد يتحول قريبًا إلى قضية شعبية تطالب بتحرير الأراضي المحتلة.
6 - الولايات المتحدة والضغوط الدولية: على الرغم من رفع اسم الشرع عن قوائم المطلوبين لدى الولايات المتحدة، الا انها ما زالت تمتلك تهمة الارهاب كورقة ضغط، وتسعى لاستثمارها لتحقيق أهداف متعددة: إغلاق القواعد الروسية، ضمان السلام مع إسرائيل، منع تدفق السلاح الإيراني عبر سوريا، إخراج الفصائل الفلسطينية المسلحة، الحصول على نصيب من عقود إعادة الإعمار، والحصول على تعهدات بعدم شن عمليات ضد إسرائيل. وفي ظل هذا التشابك المعقد للمصالح، يُخشى أن تتحول سوريا إلى ساحة لصراعات بالوكالة.
7 - إزالة العقوبات وتشكيل الحكومة: يتطلب رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا وإزالة هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب تقديم ضمانات جوهرية للغرب، تشمل تشكيل حكومة تمثل جميع المكونات الطائفية، وإجراء انتخابات نزيهة، وضمان المصالح الغربية في البلاد.
8 - الحرب الطائفية المحتملة: يلقي شبح الحرب الطائفية بظلاله على المشهد السوري، مع تزايد المخاوف من أن تؤدي عمليات القتل الانتقامي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للبلاد.
9 - استعادة آبار النفط: تمثل استعادة السيطرة على آبار النفط الخاضعة للنفوذ الأمريكي تحديًا اقتصاديًّا كبيرًا، خاصةً وأن هذه الموارد كانت تشكل نصف الاقتصاد السوري قبل اندلاع الثورة.
10 - إيران والديون الخارجية: تضيف المطالبات الإيرانية بتسديد الدي ون عبئًا ثقيلاً على كاهل الاقتصاد السوري المنهك أصلاً.
11 - حل فصيل سوريا الديمقراطية: يمثل التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيًّا تحديًا معقدًا، خاصةً مع وجود قرابة تسعمئة جندي أمريكي في شمال البلاد.
يتميز الموقف الأردني بالوضوح والثبات في دعم رؤية سوريا موحدة ومستقرة، وقد تُرجِم هذا الموقف إلى خطوات عملية تمثلت في فتح الحدود أمام البضائع والمساعدات الإنسانية، وتسهيل عودة المواطنين السوريين إلى وطنهم بأمان وكرامة.
وفي الختام، رغم أن الشعب السوري قد نال نصيبه من ويلات الحروب، يبقى السؤال المصيري: هل انتهت الحروب من سوريا؟ فما زال الشرع يواجه أحد عشر تحديًا جوهريًّا، يمكن لأي منها أن يشعل فتيل أزمة جديدة تعيد البلاد إلى نقطة الصفر - لا قدر الله.