من ضمن التعديلات التي خضع لها الدستور الأردني في عام 2022 إلغاء حكم الجمع بين العضوية في السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث جرى إضافة نص جديد إلى المادة (76) من الدستور يقضي صراحة بعدم جواز الجمع بين عضوية كل من مجلس الأعيان أو النواب وبين منصب الوزارة.
وقد تمثلت الأسباب الموجبة لهذا التعديل الدستوري في تكريس مبدأ الفصل بين السلطات، وتعزيز قدرة مجلس النواب على ممارسة دوره الرقابي على الحكومة، وبأنه في معظم الأحوال سيتعذر على النائب المنتخب الذي يتولى منصب وزاري أن يمارس مهامه التشريعية والتنفيذية بذات القدرة والفعالية، ودون إثارة أي شبهات حول تعارض المصالح وتضاربها.
ومن خلال متابعة الأحداث السياسية التي شهدتها بريطانيا خلال الأسابيع الماضية، يمكن إضافة إيجابية جديدة للحكم المستحدث في الدستور الأردني، والتي تتمثل في تحقيق الاستقلالية الوظيفية لكل من الوزراء وأعضاء مجلس الأمة. فقد قام رئيس الوزراء البريطاني ريتشي سوناك بإقالة أحد الوزراء في حكومته بسبب وجود شبهة مخالفات قانونية تتعلق بملفه الضريبي، إذ أشارت التقارير الصحفية إلى أن الوزير المقال نظام الزهاوي قد قام بدفع غرامة مالية للسلطات الضريبية تجاوزت في قيمتها (5) ملايين جنيه إسترليني، وذلك بسبب عدم إدلائه بتصريح ضريبي عن أرباح له تزيد قيمتها عن (20) مليون جنيه إسترليني.
فقد ثبت من خلال التحقيق الذي خضع له الوزير المقال بأنه قد تصرف بطريقة تتعارض مع مدونة السلوك الوظيفي للوزراء، والتي تفرض عليهم مراعاة أقصى درجات النزاهة والحيادية في العمل العام، وتفادي أي تنازع في المنافع المادية الخاصة بهم مع واجباتهم الحكومية.
وقد اتسع نطاق هذه القضية التي عصفت بحزب المحافظين الحاكم لتصل إلى حد المطالبة باستقالة الزهاوي من منصبه كنائب في البرلمان البريطاني. فما جرى الكشف عنه من تجاوزات مالية في الملف الضريبي لمعهد «يوغوف» الذي قام الزهاوي بتأسيسه في عام 2000 والتسويات التي قام بعرضها لإنهاء الموضوع، قد أثرت سلبا على الثقة الشعبية بنزاهته وقدرته على تمثيل دائرته الانتخابية في مجلس العموم البريطاني.
وستشكل خسارة الزهاوي لمنصبه الوزاري في الحكومة ولمقعده في البرلمان ضربة سياسية قاسية لحزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، وستلقي هذه القضية بظلالها على استطلاعات الرأي العام بالدرجة الأولى، ومن ثم على فرص حزب المحافظين الحاكم في البقاء بالسلطة في الانتخابات النيابية القادمة.
وتبقى الدروس المستفادة من هذه الواقعة السياسية أن الجمع بين العضوية في مجلس النواب والوزارة لها محاذيرها، والتي تتمثل في إمكانية خسارة المقعدين بسبب أي تصرف أو سلوك يخالف القانون، خاصة في النظام الدستوري الأردني الذي يتجه بشكل تدريجي نحو تشكيل حكومات تكون الأحزاب السياسية طرفا فيها أو متآلفة في تشكيلها. لهذا، فقد كان يجب العمل على تهيئة البيئة التشريعية والسياسية التي ستمسح بتواجد حزبي في الحكومات القادمة، وألا يكون هناك أي ارتباط عضوي بين من يشغل منصب الوزارة والعضو في السلطة التشريعية.
وما يعزز من أهمية التعديل الدستوري الذي حظر الجمع بين العضوية النيابية والوزارية أن الأحكام المتعلقة باستقالة النائب في الدستور الأردني قد جرى تعديلها في عام 2022، بحيث أصبحت الاستقالة نافذة المفعول بمجرد تقديمها إلى رئيس المجلس، دون الحاجة إلى موافقة أعضاء مجلس النواب عليها.
ففي ظل هذا الحكم الدستوري المستحدث سيكون من السهل على النائب الحزبي الذي تقرر إقالته من الحكومة أن يخسر مقعده في البرلمان من خلال تطبيق حكم الاستقالة ذات الأثر الفوري عليه، ولن يحظى بفرصة الدفاع عنه من قبل أعضاء حزبه في البرلمان، وذلك في حال كانت الاستقالة معلقة على صدور القرار النيابي بقبولها، كما كان عليه الوضع في السابق.
إن تحقيق الاستقلالية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال حظر الجمع في العضوية بينهما لا يؤثر على أركان النظام النيابي البرلماني الكامل الذي كرسته المادة الأولى من الدستور. فمن أبرز خصائص الحكومة النيابية أنها تكون مسؤولة أمام مجلس النواب، بصرف النظر على الكيفية التي جرى تشكيلها وطبيعة الأعضاء فيها. وهذا ما دفع الدستور الفرنسي لعام 1958 إلى تكريس الحظر على ازدواج العضوية، حيث تنص المادة (23) منه بالقول «لا يجوز الجمع بين عضوية الحكومة وتولي أي ولاية برلمانية».
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية