جفرا نيوز - بقلم سلطان عبد الكريم الخلايلة
حققنا على مدار أكثر من مئة عام نماذج في المعارضة الإيجابية الواعية والبناءة التي تملك طرحاً يسعى لتحقيق الصالح العام، فأين ذهبت اليوم؟
يجب أن تمتلك الحياة السياسية دعائم وروافع لضمان استمراريتها، ولعل أهمها معارضة تستند إلى ثوابت رئيسية وأدبيات وقيم تُقدِّم حالة وطنية مُتجذرة في الحياة السياسية؛ ونقول مجدداً: أين هي الآن؟ إننا نتحدث هنا عن مُعارضة ناقدة وموجَّهة لما فيه المنفعة والمصلحة العامة، ضمن آليات الدفع نحو الرؤية الإصلاحية.
من المعلوم بأنّ المعارضة السياسية الوطنية تُشكِّل قوة للدولة، وهي السبيل الأمثل لضمان إدامة النقد البنّاء المُتّزن الواعي الذي سيقود بالطبع نحو عملية الإصلاح والتحوّل الديمقراطي عبر منابر وأشكال متعددة ضمن إطار الدولة والدستور، وثوابت الدولة بمفهومها الشامل.
اليوم، حينما نتحدّث عن المعارضة، علينا الانتباه إلى آفة وجود "معارضة من أجل المعارضة فقط" استعراضاً مرة؛ وصراع شخصي مرات، ثم أنَّها تَتحول إلى ظواهر صوتية. وهذا عبء على الدولة والمعارضة معاً. فما هو الدور المنوط للمعارضة؟
اسمحوا لي أن أحددها بوجهة نظراً بما يلي:
-مراقبة أداء الحكومة.
-تشخيص نقاط الضعف، وذلك لتجاوزها سعياً لتقدّم المسيرة.
-أن تكون ذات خطاب عقلاني، يصغي كما يريد أن يتكلم.
ولا أعتقد أن هنالك ضرورة أن تُقدّم المعارضة دوماً حلولاً وبدائل، كما ينادي بها بعض منتقديها بقدر ما هو نقد هام لأي قرار، ويرافق هذه الحلول تقديم حجج وبراهين تقرّب وجهات النظر لتأخذ بها الحكومة وتعمل تقويم وتصويب للوضع، وهذا ما هو مطلوب من أي معارضة.
يعلم الجميع أن أطياف من المعارضة اليوم لديها نماذج مهمة وتمتلك حضوراً اجتماعياً واحتراماً كبيراً وقبولاً بين الناس، وهناك من يتم لفظه اجتماعياً ويتم عزله فيذهب جفاءً ويتحوّل لظاهرة صوتية لا أكثر، لا أثر له سوى في عقول أصحابها، ولا يتجاوز ذلك التأثير المحدود، كون أن ممارسة المعارضة بطريقة إيجابية هو المطلوب وأي خروج عن أُطرها يسيء لها بذلك، أما المعارضة الحقيقية فتنخرط بالعمل العام أيضاً، وعليها واجب وطني لوقف الفساد وتقديم الحقائق لأصحاب الشأن ليكون هنالك تصويب حقيقي وليس مجرد تأشير على الخلل فقط.
في متابعة الحديث حول المعارضة الوطنية، فإن هنالك أهمية لأن تمارس المعارضة عملها وطرحها ضمن الأُطر المحليّة التي تخيب ظن أي أجندات أو طروحات خارجية، فمحطة فضائية خارجية تستهدف مؤسسة ما أو تريد تقديم طرح مسيء لها؛ يجب لجمها وإسكاتها وأن لا تمارَس أي إساءة عبر تلك المحطات أو تقاريرها الاعلامية، فمن يُخَيّب ظن هؤلاء يكسب بكل تأكيد وطن كبير وأبنائه وشموخه، ويُقدِّم في نفس الوقت معارضة تنتمي للدولة ومكوناتها.
نعي تماماً وجود حكومات تتقدم نحو الاصلاح والشفافية وتنجح في مكافحة الفساد بشكل كبير، ويعني ذلك حتماً غياب أي معارضة فوضوية، أي أن هذا هو الإصلاح المنشود الذي نريده جميعاً ونطلبه، وهنا وجب التنبُّه لبعض النخب السياسية التي لا تريد الإصلاح، فهي متضررة منه ومن إنجازه بالشكل المطلوب، فتذهب للحكم مسبقاً على أي تجربة أو تقدم أو تحديث بالفشل، لذا فإن "الرابح رابح" هي المعادلة المأمولة ليتم إيجادها في المرحلة المقبلة بديمقراطية الحوار وقبول التنوع بنموذج سياسي أردني لمراجعة جادة، ونسأل الله أن يحفظ أردننا، وأن يردّ كيد الحاقدين في نحورهم، وأن يمدنا الله بالوعي والقوة، فنحن اليوم على أعتاب تحوُّل هام، تقع مسؤولية نجاحه على عاتق كل أردني غيور على مصلحة هذا الوطن الذي نحميه بكل ما أوتينا.