جفرا نيوز -
جفرا نيوز - شهد عدد من الولايات الأميركية مؤخراً تظاهرات مؤيدة للإجهاض، رداً على تسريب مسوّدة قرار في المحكمة العليا في الثاني من أيار/مايو، تُظهر أن الأغلبية المحافظة في المحكمة مستعدة لإلغاء القرار التاريخي، الذي أُقِرّ عام 1973، وأجاز الإجهاض على الصعيد الوطني، في مقابل تظاهرات مؤيدة لقرار منع الإجهاض.
مسألة الإجهاض متجذرة بعمق في تاريخ الولايات المتحدة، في الممارسة والأخلاق والقانون. ويمثّل الحق في الإجهاض من عدمه موضوع سجال تاريخي حاد. ففي الوقت الذي يدافع الديمقراطيون عن "حكومة كبيرة"، يجب أن تتدخل في القرارات الاقتصادية والاجتماعية، فإنهم يدعمون "حرية الاختيار"، ويؤمنون بأنه يجب ألّا يكون للحكومة رأي في الإجهاض، وعليها ألّا تتدخل في حمل المرأة، بينما يعارض الجمهوريون الإجهاض تماماً.
ينقسم المجتمع الأميركي بين مجتمعات محافظة في الجنوب، ومجتمعات تقدُّمية ليبرالية (شرق وشمال). والمجتمع المحافظ في الولايات المتحدة هو الذي يُظهر احتراماً كبيراً للتقاليد الأميركية، وهو يدعم عادةً تعاليم الكنيسة، بحيث يعدّ المحافظون الأميركيون، بصورة عامة، أن الحرية الفردية - في حدود القِيَم المحافظة - هي السمة الأساسية للديمقراطية.
وبما أن الولايات الجنوبية المحافظة هي ضدّ الإجهاض، فإن الجمهوريين ينحازون إلى منعه، لأنهم يملكون أصواتاً عالية في الأرياف والمجتمعات المحافظة، بينما ينادي الديمقراطيون، الذين ينقسمون بين تقدميين يساريين وليبراليين، بالحريات، وفي مقدمتها حرية المرأة في اتخاذ القرار الأكثر ملاءمةً بالنسبة إلى حملها.
"رو ضد ويد" ROE V. WADE
كل من يترشح لمنصب في الولايات المتحدة، داخل الولايات أو على المستوى الحكومي الفيدرالي، يجب أن يحدّد موقفه بوضوح، أمام الإعلام والرأي العام، تجاه حُكم "رو ضد ويد" التاريخي. القرار الذي قسّم الجمهور الأميركي إلى معارضين ومؤيدين، وحوّل القضية إلى قضية رأي عام، امتدّت إلى صناديق الاقتراع والمجالس التشريعية والشوارع في الولايات المتحدة.
تتعلّق هذه القضية بامرأة حملت وهي غير متزوجة، وعُرفت باسم مستعار، هو "جين رو"، من أجل المحافظة على هويتها، وبهدف حمايتها. أرادت جين، التي تسكن في ولاية تكساس الأميركية، إجراء عملية إجهاض عام 1973، كونها مفلسة ولا تستطيع تحمل تكاليف تربية الطفل، لكن قانون تلك الولاية منعها من القيام بذلك. لذلك، رفعت جين رو دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية، نيابةً عن نفسها وعن جميع النساء الحوامل الأخريات، الراغبات في إباحة الإجهاض.
كان هدف القضية هو نقض قانون منع الإجهاض في الولاية، على أساس أنه غير دستوري، ويهدر حقها في الخصوصية، على النحو الذي تكفله تعديلات الدستور. كما طلبت جين رو أيضاً الحصول على أمر قضائي من المحكمة، يسمح لها بأن تُجري عملية الإجهاض.
وفي العام نفسه، أصدرت المحكمة العليا، في ختام نظرها في قضية "رو ضدّ ويد"، حُكماً شكّل سابقة قضائية، إذ إنّه كفل حقّ المرأة في أن تُنهي طوعاً حملها، ما دام جنينها غير قادر على البقاء في قيد الحياة خارج رحمها، أي لغاية نحو 22 أسبوعاً من بدء الحمل.
ونشر موقع بوليتيكو الإخباري الأميركي، مطلع أيار/مايو الماضي، وثيقة مسرَّبة تكشف أنّ المحكمة العليا الأميركية تستعد لإلغاء حكم "رو ضد ويد"، والذي تطبقه ملايين النساء في الولايات المتحدة الأميركية، منذ نحو 50 عاماً.
هذه التسريبات هزّت الرأي العام الأميركي، لأن ما يقرب من نصف النساء الأميركيات في سن الإنجاب (18-49) - أي نحو 36 مليون امرأة – سيفقدن إمكان اللجوء إلى الإجهاض بصورة قانونية، وذلك وفق تقديرات أصدرتها منظمة "الأبوة المخططة"، وهي منظمة رعاية صحية تقدم عمليات الإجهاض. وإذا أقرت المحكمة العليا القرار المعروف باسم "رو ضد ويد" بصورة نهائية، فستعود الولايات المتحدة إلى الوضع الذي كان سارياً قبل عام 1973، عندما كانت كل ولاية حرة في أن تسمح بالإجهاض أو أن تحظره. وبالتالي، يصبح الإجهاض غير قانوني في 26 ولاية أميركية.
الإجهاض عبر السموم
كان الإجهاض يمارَس على نطاق واسع في المجتمع الأميركي، عبر استخدام الأعشاب ووسائل أخرى. وكانت قانون "مكافحة السموم"، الذي صدر في منتصف القرن التاسع عشر، واحداً من أقدم قوانين منع الإجهاض، كاستجابة فورية لانتشار المواد الكيميائية المُجهضة، والتي أصبحت شائعة آنذاك. وبحلول أواخر القرن التاسع عشر، كان لدى معظم الولايات قوانين تحظر الإجهاض إلّا في حالات محدَّدة: إنقاذ حياة المرأة الحامل، أو إذا كان الحمل يشكل خطراً على صحتها.
بحسب صحيفة "بوليتكو" الأميركية،لم يكن الإجهاض دائماً جريمة في الولايات المتحدة، على الرغم من أن قضاة كثيرين جرّموه، على اعتبار أنه لا يدخل في سياق الحريات الشخصية.
كان المستوطنون الأوروبيون الأوائل والأفارقة، والأميركيون الأصليون، جميعاً، لديهم معرفة بشأن تنظيم الدورة الشهرية، التي تتشارك فيها النساء. وقد يكون على رفوف في منازلهم نسخة من كتاب "ويليام بوكان" للطب المنزلي الشهير، والذي نُشر أولَ مرة عام 1774، وأُعيد نشره عدة مرات في منتصف القرن التاسع عشر، والذي تضمّن نصائحَ لاستعادة الدورة الشهرية، والحث على تناول المحاليل المكوَّنة من الخربق الأسود، أو شجر العرعر. وكان الأخير هو الأسهل بالنسبة إلى الأميركيين، من أجل نمو هذه الشجيرات بكثرة في أراضيهم. وبحلول منتصف القرن الثامن عشر، باع الباعة المتجوّلون في نيو إنغلاند الأدوية صراحةً، من أجل الحثّ على الإجهاض.