النسخة الكاملة

صفقة ترامب ـ نتنياهو... «غزة» بلا هوية؟

الثلاثاء-2025-07-08 10:40 am
جفرا نيوز -
لما جمال العبسه

في غمرة الحديث المتصاعد عن هدنة وشيكة في قطاع غزة، تتصدر لقاءات واشنطن مشهدا دوليا يبدو أقرب إلى صناعة «سلام أميركي ـ إسرائيلي» بلا شريك فلسطيني فعلي، إذ التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو امس في محاولة لبلورة اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لمدة 60 يوما تمهيدا لوقف الحرب بحسب ما يدعون، وسط غياب واضح للطرف الفلسطيني، المستبعد سياسيا رغم كونه الطرف المحوري في هذا الامر، خاصة وان ملامح الصفقة الجديدة تُبنى دون من يملك الفعل على الأرض، ومن يتصدر المشهد الشعبي في القطاع.

لساعة كتابة هذا المقال لم تكن الرؤية قد اتضحت بالنسبة لفحوى اللقاء، لكن كما يُقال في العامية «الجواب باين من عنوانه»، فنتنياهو الذي يصعد المقتلة في القطاع يريد ان تتضمن صفقة التهدئة تجاهلا متعمد للمقاومة الفلسطينية، بل وطرح تصورات أكثر راديكالية تشمل نزع سلاحها وطرد قادتها من القطاع، عدا عن ابقاء جيشه في القطاع مع التأكيد على تهجير اهل الشمال الى الجنوب والوسط، ولا تزال الادارة الامريكية تمارس دورها باقتدار لا متناهي في التماهي مع ما يطلبه نتنياهو وان سيق الحديث بجمل منمقة.

هذا الاستبعاد، وإن تم تبريره باعتبارات سياسية أو تفاوضية، يثير أسئلة جوهرية حول جدوى الاتفاق وديمومته، ويكشف انحيازا واضحا في هندسة المرحلة المقبلة، حيث تحاول واشنطن، بجهود شخصية من ترامب، دفع نتنياهو نحو صفقة لا تعترف بـ «من يملك الأرض والدم والمواجهة»، فالصفقة لم تعد مجرد هدنة، بل مشروع متكامل يعيد تشكيل غزة سياسيا وأمنيا وفق رؤية إسرائيلية ـ أميركية تتعامل مع القطاع كمنطقة «متاخمة مشاغبة»، على غرار تعامل إسرائيل مع جنوب لبنان.

ملامح الصفقة ترتكز على ان يكون هناك هدنة مؤقتة تشمل تبادل أسرى وانسحابا جزئيا للقوات الإسرائيلية من مناطق معينة، مع نزع سلاح المقاومة، دون تعهد متبادل بوقف طويل الأمد للعمليات العسكرية، والاهم إعادة تعريف غزة كمنطقة فصل أمني، تُحكم بموجب ترتيبات إدارية غير فلسطينية، ويجري فصلها سياسيا عن الضفة الغربية، مع تعامل أمني يشبه النموذج اللبناني ضربات جوية عند أي «تهديد محتمل»، دون تواجد ميداني أو التزامات سياسية، وهذا ما بفسر الاهتمام بما يُعرف بـ»اليوم التالي» في القطاع.

إذا ما دققنا في البنود الأمريكية الإسرائيلية، وموقف المقاومة منها، فقد نرى ان هذه البنود قد تعيد إنتاج التصعيد بعد انتهاء الهدنة، في حال فرضت ترتيبات لا تُمثل طموحات الفلسطينيين.

هذا النهج الترمبي محاولة لتقديم صفقة على أنها إنجاز دبلوماسي، إلا أن هذه الخطوات، وإن بدت واعدة على السطح، تكشف نمطا أميركيا مألوفا يعتمد هندسة اتفاقات جزئية دون معالجة جذور الصراع أو الاعتراف بأطرافه الشرعية، وهذا يترافق مع محاولات ترامب لاقناع نتنياهو في وقت تزداد فيه الهوة بين طموحات «السلام الأميركي» وواقع الأرض، حيث المقاومة ليست فقط طرفا في الاشتباك، بل تعكس موقفا شعبيا لا يمكن تجاوزه سياسيا أو عسكريا.

ما يُرسم في واشنطن ليس اتفاقا لوقف إطلاق النار، بل إعادة هندسة غزة لتصبح منطقة مراقبة أمنية تدار عن بعد، بلا مقاومة، وبلا قيادة سياسية ذات شرعية شعبية، لترسيخ نموذج لبنان وسوريا، فلا التزام سياسي أو وجود ميداني، فقط ضربات جوية متى شاءت، لكن استبعاد المقاومة ونزع سلاحها لا يمهد لسلام، بل ينذر بمرحلة أشد تعقيدا، وأكثر قابلية للانفجار.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير