النسخة الكاملة

السفير الأكثر حضورًا… لكنه الأكثر غموضًا!

السبت-2025-12-20 01:56 pm
جفرا نيوز -
بقلم: د. محمود عواد الدباس.

في مدة قصيرة جدًا منذ وصوله إلى عمّان، اكتسب السفير الأمريكي الجديد – صاحب اللحية الطويلة المميزة – حضورًا لافتًا وشهرة واسعة، نتيجة قيامه بجولات ميدانية مكثفة وغير مألوفة في أسلوب عمل السفراء الأجانب في العاصمة الأردنية.

 السفير الأمريكي ينتشر تدريجيًا في مختلف المساحات الأردنية، أفقيًا وجغرافيًا، وعموديًا واجتماعيًا؛ نجده حاضرًا في بعض بيوت العزاء في عدة محافظات، وفي صالات رياضية يشجع المنتخب الوطني الأردني، كما يظهر في وزارات خدمية ومناسبات عامة متعددة. 

هذا الحضور الكثيف والمتنوع أثار، بطبيعة الحال، علامة الاستفهام الأساسية حول جولات السفير الأمريكي في الأردن؛ فهذا الأسلوب لا يشبه نمط العمل الذي اتبعه سفراء الولايات المتحدة السابقون في عمّان، كما لا يتطابق مع أسلوب السفير نفسه في مهامه السابقة، وهو ما يجعله سلوكًا استثنائيًا، ويدفع إلى الاعتقاد بأنه يهدف إلى قراءة استباقية لمرحلة سياسية قادمة، سواء لأسباب داخلية أردنية، أو لاعتبارات إقليمية أكثر تعقيدًا من السابق.

في التوقف على ردة فعل الحكومة الأردنية تجاه هذه الجولات، نلاحظ أنها تقف في حالة مراقبة صامتة لا تتجاوز حدود المتابعة الحذرة، فلا توجد تصريحات رسمية تعبّر عن تحفظ أو اعتراض، ولا إشارات علنية إلى عدم الارتياح، رغم أن توقيت هذه التحركات وكثافتها يتزامنان مع ظرف إقليمي شديد الحساسية، علاوة على ذلك وفي الوقت ذاته، تحرص الحكومة الأردنية على إظهار حالة من الرضا النسبي، حيث يتجلى  ذلك في السماح بتغطية إعلامية واسعة لأنشطة السفير، ضمن إطار سيطرتها المعتادة على المشهد الإعلامي، أما أسباب ذلك، فهي تعود، إلى حساسية موقع السفير وجنسيته، إضافة إلى  صعوبة اتخاذ أي إجراء قد يُفسَّر على أنه تضييق على سفير دولة حليفة ومحورية، تقدم دعمًا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا للأردن.

في هذا المقام نذكر  بأن التاريخ السياسي الأردني شهد حالات محدودة من التوتر مع سفراء دول أخرى، عندما اعتبرت الدولة أن بعض الأنشطة تجاوزت المقبول دبلوماسيًا، غير أن الحالة الأمريكية تظل مختلفة؛ فالتعامل مع السفير الأمريكي يبقى معقدًا وحساسًا إلى حد يجعل أي صدام أو إجراء حاد أمرًا بالغ الصعوبة.

في الذهاب نحو القراءة الشعبية تجاه جولات السفير الأمريكي ، نجد أن  بعض القراءات  ذهبت بعيدًا جدًا في تفسير هذه التحركات، إلى حد ربطها بفرضيات لا تخدم استقرار الأردن ولا تستند إلى معطيات واقعية كافية.

 في المقابل، يذهب الرأي الأكثر اعتدالًا إلى أن مستوى التغيير المتوقع – إن وجد – لن يتجاوز إطار تغيير حكومي، وليس تغييرًا في بنية النظام أو طبيعته، مع التأكيد هنا أن  الحديث  لا يدور عن حكومة تقليدية جديدة، بل عن حكومة من نوع مختلف، حكومة تمتع بهامش استقلالية أوسع نسبيًا في إدارة الملفات الاقتصادية والسياسية، مع بقاء التوازنات العامة للدولة محفوظة في علاقة الحكومة مع القصر الملكي والجهات السيادية الأخرى.

في محاولة  فهم منهج عمل السفير الأمريكي في عمّان، والذي يبدو أنه يتم – أو سيتم – على مراحل، فقد تمثلت المرحلة الأولى، وهي لا تزال مستمرة، في الانتشار الجغرافي والاجتماعي داخل الأردن، خلال هذه المرحلة، التزم السفير غالبًا بالصمت أو اكتفى بتصريحات إيجابية عامة، مما ساهم في بناء قبول اجتماعي ملحوظ له، خاصة عندما حرص على الظهور في مناسبات وطنية جامعة، مثل مباريات المنتخب الوطني لكرة القدم؛ ولقد أسهم هذا السلوك الدبلوماسي الهادئ وغير التصادمي في تشكيل قاعدة اجتماعية رمزية متراكمة آخذة في الاتساع؛ بعدها يتم  الانتقال إلى مرحلة أكثر عمقًا، تتمثل في استخدام هذه اللقاءات والانطباعات المباشرة كأداة لفهم اتجاهات الرأي العام الأردني، بعيدًا عن القنوات الرسمية والتقارير الحكومية التقليدية.

ختامًا، يبدو أن السفير الأمريكي لا يزال في مرحلة تسجيل الملاحظات والانطباعات، تمهيدًا لإرسال تقارير نهائية  إلى العاصمة الأمريكية  واشنطن تتضمن صورة أكثر دقة حول  المجتمع الأردني وتفاعلاته السياسية والاجتماعية. حينما يتم ذلك ،  نكون أمام مرحلة تتبلور فيها مواقف أمريكية أوضح تجاه التطورات المقبلة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وبما يرتبط بشكل الحكومة القادمة وصلاحياتها الفعلية، في ظل سياق إقليمي ضاغط ومتغير.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير