النسخة الكاملة

استراتيجيات تعزيز الأمن الغذائي لمستقبل مستدام

الإثنين-2025-06-30 10:47 am
جفرا نيوز -
الاستاذ الدكتور سعيد محمد أبو رمان - جامعة البلقاء التطبيقية

يُعدّ الأمن الغذائي تحديًا عالميًا متعدد الأبعاد يزداد تعقيدًا بفعل التغيرات المناخية وتزايد عدد السكان والتدهور البيئي والصراعات وعدم الاستقرار السياسي. ففي ظل التوقعات بأن يتجاوز عدد سكان العالم 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050، يصبح تحقيق الأمن الغذائي المستدام ضرورة قصوى لضمان الامن المجتمعي والازدهار الاقتصادي. يتطلب ذلك تبني استراتيجيات فعّالة ومترابطة تتجاوز مجرد زيادة الإنتاج لتشمل سلاسل الإمداد وإدارة الموارد والابتكار ووضع السياسات الداعمة للانتاج الزراعي.

تُعدّ الزراعة المستدامة والذكية مناخيًا حجر الزاوية في أي استراتيجية طويلة الأمد للأمن الغذائي، وهو ما لم يعد مجرد مفهوم بيئي، بل أصبح ضرورة حتمية لمواجهة التحديات المتزايدة التي يفرضها تغير المناخ وشح الموارد. ساهمت الممارسات الزراعية التقليدية، في كثير من الأحيان، في استنزاف الموارد الطبيعية الحيوية المتمثلة بالتربة والمياه، وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال انبعاثات الغازات الدفيئة. هنا تبرز أهمية الزراعة المستدامة التي تركز على الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز صحة التربة وتحسين كفاءة استخدام المياه. وتشمل هذه الممارسات تقنيات مثل الحراثة المحافظة، وتناوب المحاصيل، ونظم الري الفعالة، والتي لا تساهم فقط في حماية البيئة، بل تزيد أيضًا من مرونة الأنظمة الغذائية في مواجهة الصدمات البيئية. أما الزراعة الذكية مناخيًا، فتمثل خطوة إضافية نحو بناء أنظمة غذائية قادرة على التكيف مع تحديات التغير المناخي والتخفيف من آثاره. وتتضمن هذه الزراعة تطوير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف وتطبيق أنظمة إنذار مبكر للآفات والأمراض وتنويع النظم الزراعية. وكما تعمل على تقليل انبعاثات الكربون من خلال تحسين إدارة المغذيات وزيادة امتصاص التربة للكربون، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في استراتيجيات التخفيف من تأثيرات التغيرات المناخية.

يلعب البحث العلمي والابتكار دورًا محوريًا في دفع عجلة الأمن الغذائي العالمي. يُقدم البحث العلمي حلولًا مبتكرة لزيادة الإنتاجية الزراعية على نحو مستدام. فمن خلال البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية، يمكن تطوير أصناف نباتية وحيوانية تتمتع بإنتاجية أعلى، ومقاومة أفضل للأمراض والآفات، وقدرة أكبر على تحمل الظروف البيئية القاسية مثل الجفاف والملوحة، مما يمكننا من تطوير ممارسات زراعية أكثر كفاءة واستدامة تقلل الحاجة إلى المدخلات الكيميائية وتحد من التلوث. أما الابتكار، فهو يترجم الاكتشافات العلمية إلى أدوات وتطبيقات عملية لضمان الأمن الغذائي. فعلى سبيل المثال، تتيح الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture)، التي تستخدم الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار وتحليل البيانات الضخمة، للمزارعين مراقبة حقولهم بدقة متناهية والقيام بالعمليات الزراعية مثل الري والتسميد ورش مبيدات الافات عند الحاجة إليها فقط.

لضمان الأمن الغذائي، فانه من الضروري بناء سلاسل إمداد غذائية مرنة. تضمن سلاسل الإمداد الفعالة التوفر المستمر للغذاء، مما يقلل من مخاطر النقص المفاجئ في الأسواق حتى في أوقات الذروة أو النقص الموسمي. كما أنها تُعزز القدرة على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية والأوبئة والنزاعات. إضافة إلى ذلك، تُساهم سلاسل الإمداد المُحسّنة في خفض الهدر والفقد الكبير الذي يحدث على طول السلسلة، خاصة في مراحل ما بعد الحصاد والتخزين والنقل، مما يزيد من كمية الغذاء المتاحة ويُحسن من كفاءة الانتاج الزراعي مما ينعكس ايجاباً على أسعار الغذاء.

إن تحدي الأمن الغذائي يتطلب سياسات داعمة وحوكمة فعالة. يجب على صناع القرار وضع سياسات زراعية وغذائية متكاملة داعمة للمزارعين ومحفزة للاستثمار الزراعي المستدام بحيث تضمن الوصول العادل إلى الغذاء. يشمل ذلك تشريعات تتعلق بالاراضي والمياه وتسهيل التجارة الغذائية العادلة وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات العابرة للحدود.

وفي الختام، يتطلب بناء مستقبل غذائي مستدام نهجًا شاملاً يجمع بين الابتكار والإدارة الرشيدة للموارد وتعزيز سلاسل الإمداد، ووضع السياسات الداعمة للقطاع الزراعي. هذه مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان أن يتمتع الجميع بالحق الأساسي في الغذاء الكافي والآمن والمغذي.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير