كارثة وطنية تحل كل عام في الغابات، وخاصة في منطقة دبين وامتدادها الجغرافي باتجاه المحميات الطبيعية في عجلون، من خلال الحرائق المتكررة والمفتعلة من قبل مخربين ومجرمين بحق الوطن والمواطن، وتأتي على التهام آلاف الأشجار المعمّرة والنادرة، والتي يزيد عمرها على مئات السنين، دون أدنى مسؤولية دينية أو أخلاقية.
شيء يدمي القلب، وقد تحوّلت مساحات شاسعة من غابات متنزه دبين وما يحيط بها إلى صحراء قاحلة، بعد أن كانت تعج بالحياة وتكثر فيها الحيوانات الأليفة والطيور التي اتخذتها موطنًا لعقود طويلة، قبل أن تُضطرّ مكرهة للهجرة إلى مناطق وبلدان أخرى، ما أفقد بلدنا واحدة من أكثر مزاياه الطبيعية، والتي تحفظ التوازن البيئي وتشكل ملاذًا للأردنيين، خاصة في فصل الصيف.
افتخرنا كثيرًا بمشاركة فرق الدفاع المدني، بمساندة جوية، في عمليات إطفاء الحرائق في سوريا، وآلمنا ما حلّ بغاباتها وكنوزها الطبيعية، لكن سرعان ما صُعقنا بنشوب حرائق متعددة في غابات جرش، واستغرقت عمليات الإخماد عدة أيام وبصعوبة بالغة، والخسارة لا تُقدّر بثمن، لفقدان أكثر من 1500 شجرة صنوبرية وسنديان ولزاب وغيرها، وهي من أكثر الأشجار تنقية للهواء وتلطيفًا للجو وامتصاصًا لدرجات الحرارة، وتعويضها يحتاج إلى عقود فأكثر، هذا إن نجحت عمليات الزراعة والرعاية.
العام الماضي شهدت المنطقة كارثة مماثلة، وقبلها تم تقطيع آلاف الأشجار في غابات دبين بداعي الاستثمار، وتم وصف من عارضوا ذلك المشروع بالرجعيين وأعداء التقدم، وأنهم - أي أهالي جرش - يرفضون إقامة مشاريع تعود عليهم وعلى أبنائهم بالنفع، من خلال توفير فرص العمل وتنشيط الحركة الاقتصادية في محافظتهم ككل. ذهب المشروع أدراج الرياح، وذهبت معه مزاعم الحد من مشكلة البطالة في المنطقة، والنتيجة: تصحر مساحات شاسعة، وحتى لم يتم زراعة بديل لها حتى الآن، يضاف إلى ذلك الاعتداءات المتكررة على الغابات من قبل تجّار الحطب.
حماية ما تبقى من الغابات يجب أن يندرج ضمن الأولويات الوطنية، حتى لا تصل إلى مرحلة التصحر الكامل خلال سنوات قليلة، وما ينجم عن ذلك من ارتفاع نسبة التلوث وفقدان ملاذات الأردنيين، وخاصة الشرائح الفقيرة، وذلك من خلال منظومة متكاملة للرقابة على الغابات، وتحديد أماكن اشتعال النيران في بدايتها، وشق الطرق الزراعية لتسريع عمليات وصول فرق الإنقاذ وإطفاء الحرائق في الوقت المناسب، حيث حالت صعوبة التضاريس وعدم توفر الممرات دون تسريع عمليات الإنقاذ. ومهم أن ترى توجهات وزارة الزراعة النور بالسرعة الممكنة، فيما يخص إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات الرقابة.
تغليظ العقوبات بحق المتسببين بالحرائق مطلب عام، كون جميع المواطنين شركاء في تلك الغابات، والضرر يقع على الوطن بشكل عام.