حذر الكاتب الصحفي محمود الخطاطبة من وجود مدراء مرضى نفسيين .
وقال في مقال له، يبدو أن الكثير من أبناء جلدتنا ممن يتبوأون مناصب قيادية، في القطاعين العام والخاص، على حد سواء، لم يقتنعوا بعد، أو أنهم لا يعلمون، بأن هُناك ثورة صناعية، قد مر عليها أعوام طويلة، وثورة مواصلات، تم على إثرها الاستغناء عن الحمير والبغال، ممن كانت تُستخدم كوسائل نقل في قرون مضت، وكذلك ثورة زراعية، مر عليها ردحًا من الزمن، استغنت عن الثور في الحقل والحراثة، أو الزراعة بشكل عام.
يُلاحظ، لا بل أصبح سمة طاغية، بأن هُناك مسؤولين يتصرفون وكأن لديهم عُقد لم يسبقهم بها أحد من العالمين بعد، أو بالفعل يُعانون من أمراض نفسية، تجعلهم يرتكبون ظُلمًا تلو الآخر، أو تهمشيًا لأحد الأشخاص، أو توجيه إتهامات لشخص بما ليس فيه، أو وصفه بعبارات ما أنزل الله بها من سلطان.
كُل ذلك، يدعو لا بل يوجب ضرورة إجراء فحص أمراض نفسية، لأولئك الذي يتقلدون مناصب قيادية، أكانت في القطاع العام أم الخاص، بحيث يكون شرطًا لحصولهم على ذلك المنصب أو العمل.. إذ لا يُعقل ترك ذلك الشخص المريض، بما لديه من صلاحيات، يعمل عن جهل، أو فساد مُخطط له، على تدمير مؤسسة استلم زمام أمورها.
نعم، ذلك شرطًا لكي نبني مؤسسات الدولة، والتقدم بها إلى الأمام أكثر، ومن ثم إزدهار المُجتمع ككُل، وعكس ذلك فإننا نُساهم بطريقة أو أُخرى في تدمير مُجتمعنا أو النيل منه، أو جعله عُرضة للانهيار، خصوصًا أننا لم نتجاوز بعد دول العالم الثالث، الأمر الذي يعني أننا ما نزال في "القاع"، عند المُقارنة بدول العالم الأول أو المُتقدم أو المُتحضر.
قد يتقبل العقل أن يكون هُناك أخطاء تحصل، عند تعيين شخص ما في منصب مُعين، أكان على مُستوى وزراء، أم أُمناء عامين، أم مُدراء عامين، أم رؤساء مجالس إدارات أو جامعات.. لكن ما لا يتقبله العقل أن هؤلاء (المرضى النفسيون) ينقلون قانون وشريعة الغاب إلى المؤسسات أو الدوائر التي يتقلدون قيادتها، وهُنا تكمن المُشكلة أو المُعضلة، لا بل المُصيبة.
نعم، مُصيبة، فعندما تنتقل كامل الصلاحيات الممنوحة لـ"المنصب"، إلى صاحب هذا المنصب (المريض النفسي)، حتمًا سيستغلها في غير ما وُجدت من أجله، أو رُسمت لتحقيق أهداف تعود بالنفع على الوطن.. فهذه الفئة تتصرف وكأنها في مزرعة "الوالد"، غير مُقيمة أي اعتبار لقانون أو عهد أو ميثاق أو حتى أخلاق وعدل، بعيدًا عن مقياس الكفاءة، الذي أصبح يُنظر إليه وكأنه من الزمان الغابر، أو ليس شرطًا مُهمًا لشغل المنصب.
الصلاحيات الممنوحة لأي إنسان يتبوأ منصبًا، توجب أن يكون عليه رقابة على مدار العام، فلا يُعقل أن يُترك ذلك المريض النفسي، هكذا بلا رقيت أو حسيب، يُصدر قرارات سمتها الرئيسة الظلم والإجحاف والتهميش، لا بل والأنكى من ذلك تضر بمصلحة البلاد.. فتلك مخاطر جمة وعظيمة، أول المُتأثرين بها هو الوطن، الذي قد يصل إلى درجة لا تُحمد عُقباها.
تلك أمور إذا بقيت على ما هي عليه، ولم يتم مُعالجتها، ضمن منهجية واضحة صحيحة سليمة، فإننا سنكون في القريب العاجل، أمام أُم المصائب، والتي ستجعل من الموظف عبارة عن كائن سلبي، لا يُقيم وزنًا لمؤسسته التي يعمل بها، ولا يُدافع عنها ولا عن أهدافها، ولا يغار على وظيفته، ولا يُنجز أبدًا ما هو مطلوب منه، وإن أنجزه سيكون عبارة عن تحصيل حاصل، بلا أي معنى أو مغزى، ولا يُعطي قيمة للعمل، وبالتالي سيكون ذلك عبارة عن أول مُسمار في نعش انهيار المؤسسة التي يعمل بها.