جفرا نيوز -
د. ماجد الخواجا
ظهر استخدام مفهوم « الصورة النمطية أو التنميط Stereotype» في العلوم الإنسانية خاصة علوم النفس والاجتماع والإعلام، والتنميط هو إضفاء أشكال أو سلوكات أو صفات معينة على مجتمع بأكمله والتعامل معه على هذا الأساس.
التنميط ليس بالظاهرة المستجدة، فهي قائمة منذ قيام البشرية، عندما استخدموا الألقاب فيما بينهم، وعندما تم توصيف الأشخاص تبعاً لمهنهم أو مكان إقامتهم أو منبتهم أو دينهم أو لونهم أو مستواهم الاجتماعي والاقتصادي.
بل إن التنميط استخدم بتعسّف لتبرير التخلّص من الهنود الحمر واحتلال أراضيهم حيث تم تصويرهم بأنهم بدائيون متوحشون لا يصلحون للعيش الإنساني المشترك، وعندما تم استرقاق الأفارقة وتسخيرهم للأعمال الشاقة واستعبادهم باعتبارهم كائنات لا ترقى لمستوى الإنسان الأبيض، حيث تم تصويرهم على أنهم مجرد كائنات بيولوجية غير مفكرة أو مدبرة وتحتاج لمن يسوقها ويوجهها طيلة الوقت.
ولم يخرج التمييز العنصري عن هذا التوصيف عندما تبنى الغرب مفهوم التنميط للشعوب والأعراق، فجعل الأبيض سيّداً ورائداً وقائداً، فيما جعل الزنوج في مرتبة البهائم التي لا تصلح إلا للعمل البدني الشاق .
حتى أن احتلال دول العالم الثالث تم توصيفه بأنه « تعمير واستعمار ووصاية وانتداب» وهي كلمات تشي بأن دول العالم الغربية لم تحتل الدول المتخلفة إلا من أجل رقيّها وتحضّرها.
وصولاً إلى إنشاء دولة الكيان الصهيوني التي زعمت وجود صورة نمطية بأن اليهود هم «شعب بلا أرض لأرضٍ بلا شعب» ، مع توصيف لأهل الأرض الأصليين على أنهم همج متوحشون غير حضاريين، لتقديم صورة للغرب على أن الصهيوني الغاصب هو المتحضر والواجهة المتقدمة للدول الغربية في العالم الثالث.
ربما لم تستخدم الصور النمطية بأكبر ما يمكن من الاستفادة منها كما فعل الكيان الصهيوني، فهو قدم قطعان المحتلين على أنهم جيش الدفاع وليس جيشاً للهجوم، في مشهدٍ يظهرهم وكأنهم في حالة دفاع عن وجودهم وعن كيانهم، كما أنه أظهر تنميطاً لصورة العرب الذين يريدون القضاء عليهم وأنهم يتكاثرون ويحتشدون عندما كانت المانشيتات تعلن بأن هناك سبعة جيوش عربية ستدخل فلسطين وتحررها من براثنهم.
كما أن هذا الكيان قدم صورة نمطية على أنه واحة الديمقراطية في الشرق المقهور، وحرص على نشر تلك الصورة باعتبارها أفضل أداة يمكن تسخيرها لحشد التأييد الغربي له.
في كل الحروب والاعتداءات الصهيونية على الأرض والشعب العربي، كان يطلق عليها جملة «حروب الدفاع» أي أن العرب هم الذين يهاجمون هذا الكيان المسالم الوادع البريء الذي يريد العرب التخلّص منه وإلقاءه في بحر غزة طعاماً للأسماك.
ربما لم تنج شعوب أو مجتمعات أو شرائح اجتماعية من تنميطٍ ما، فهناك صورة نمطية للأطباء والمحامين والمهنيين، للطلبة والمعلمين، للمرأة، لقبائل الزولو، لشعوب الأسكيمو، للأعراق الآرية والسوداء والصفراء، لمدنٍ وقرى وتجمعات سكانية، لقبائل وعشائر، للفلاحين والبدو والحضر.
هناك من تلتصق به صورة نمطية من خلال سلوك أو ممارسة أو لفظ قاله ذات مجلس، فيتم وسمه بلقب يصبح بمثابة المعرّف له أكثر بكثيرٍ من اسمه الحقيقي. وما يدلل على ذلك أسماء عائلات ارتبطت بحادثة معينة توقف تاريخ العائلة عنده، كما أن هناك أفرادا يتقدم التعريف بهم لقب ارتبط بهم نتيجة موقف ما.
إن التنميط هو في الغالب ظاهرة اجتماعية تعمل على اختزال البشر والكيانات المختلفة في قالب محدد يجعل منها مجرد سردية لعديد من الصفات والسمات التي قد تكون صحيحة ويمكن إسقاطها على فرد أو أفراد، في مرحلة أو مراحل، في مكان أو أماكن، لكن الواقع أن التنميط هو نوع من التعميم الخاطئ المتعسف بحق الأفراد والبشر والمجتمعات، وإن كان يحمل ويحتمل صفاتٍ إيجابية، فالإنسان كائن متغيّر متبدل تبعا لامتداده في الزمان والمكان والخبرات الحياتية.