جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رومان حداد
تاريخ الدولة الأردنية تاريخ عميق ومليء بالأحداث والقصص التي يمكن روايتها لمعرفة كيف استطاع الأردن الصمود والاستمرار والتحديث طيلة ما يزيد عن مائة عام، ولكن ما يؤرق من يبحثون في هذا المجال أنهم يواجهون بنقص المعلومات الموثقة والموثوقة بآن، حيث يكتشف من يخوض هذا المجال كم التاريخ الشفوي الكبيرة في مواجهة تاريخ مكتوب قليل لا يغطي جميع الجوانب.
وتبرز خطورة التاريخ الشفوي، كما يعرف العاملون بمجال التوثيق والتأريخ، أنه تاريخ غير موثوق ولا يمكن التحقق منه بسهولة، كما أنه يبقى تاريخاً منقوصاً، ويحتاج جهوداً جبارة لتوثيقه والوثوق به.
يأتي كتاب (الانتقال الكبير) الذي أصدره صندوق الملك عبدالله الثاني كوثيقة مهمة لتسجيل الحراك الأردني طيلة ربع قرن، هو عمر المملكة الرابعة بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، ويوثق بصورة دقيقة لما تحقق من إنجاز في مختلف المجالات، في ظل ظروف متنوعة عصفت على المنطقة، بعضها عالمي وبعضها الآخر إقليمي أو محلي، ورغم قسوة الظروف استطاع الأردن العبور منها أكثر قوة ومنعة.
الكتاب مليء بالتفاصيل الدقيقة التي تساعد على قراءة تطور الأردن خلال ربع القرن الفائت، ولكن ما يميز هذا الكتاب أنه يكاد يكون الكتاب الأول في التاريخ الأردني الذي يحدد مجموعة من القيم التي يقوم عليها الأردن كدولة وفكرة ووطن وتشكل وصفته الخاصة التي تعمل على حمايته وتطويره في ذات الوقت.
أي أن الكتاب استطاع توضيح العقيدة التي تقوم عليه الدولة الأردنية، وهي عقيدة تأسست منذ نشأت الدولة وتطورت مع مرور الزمن لتكون عقيدة راسخة ومرجعية للدولة خلال ربع القرن الفائت، وهذه القيم هي انعكاس لرؤية القيادة الهاشمية لوطن وجد ليبقى وبقي ليتطور ويكون حصناً منيعاً في مواجهة التحديات وحضناً دافئاً للأشقاء وسداً في وجه كل التحديات الإقليمية والدولية.
وحين يقرأ الأردني القيم التي قامت عليها الدولة الأردنية يرى أنه تمثل روح الأردني التي تسكنه وتقوده، وهذه القيم هي الاستمرارية والتجديد، الاعتدال السياسي، التسامح، المشاركة والتعددية، الأصالة والحداثة، نهج التحديث، المنعة والتكيف الإيجابي، الوضوح الأخلاقي، التوازن السياسي والاجتماعي، التنوع الثقافي، الوسطية الإسلامية.
تمثل مجموعة القيم السابقة ما يمكن تسميته بنظرية المُلك والقيادة الهاشمية، فالهاشميون استطاعوا خلال ما يزيد عن مائة عام من عمر الدولة أن يبدعوا نظريتهم للمُلك الحصيف، اخذين بعين الاعتبار التحديات الماثلة أمام الأردن وما يملكه من فرص وما يقوده من طموح في ظل إمكانيات تبدو لكثيرين أنها متواضعة، لأنها لا ترى الإنسان الكنز، فجاء الهاشميون ليعلوا من قيمة الإنسان ويستثمروا فيه، وهو ما استطاع جلالة الملك عبدالله الثاني التركيز عليه، ولهذا جاءت القيم التي تتبناها الدولة الأردنية مرتبطة بالإنسان والحفاظ على إنسانيته ?أخلاقياته الإنسانية وتطويره.
فمن دون تسامح لن يكون هناك تنوع ثقافي مثير ومؤثر، ومن تعددية ومشاركة لن يكون هناك توازن سياسي واجتماعي، ومن دون اعتدال سياسي ووضوح أخلاقي ووسطية لن يكون هناك منعة وتكيف إيجابي، ومن دون نهج التحديث المتصل بمفهوم الأصالة والحداثة لن يكون هناك استمرارية وتجديد.
حين نقرأ كتاب الانتقال الكبير، في ظل القيم التي صنعها الهاشميون لوطننا الأردني، ندرك كيف استطاع الأردن أن يتطور دون أن يفقد روحه وهويته، وأن الهوية الوطنية لم تكن مجرد شعار وشوفونية، بل جذر ممتد عميق في الأرض كي تكون شجرة الوطن باسقة قوية، وكل فرع جديد يعزز هويتها ويقوي حضورها ويزيد مساحة ظلها الوارف، كي نبقى كلنا كأردنيين نستفيء بالوطن.
الكتاب الكبير، كما أحب أن أسميه، عوضاً عن (الانتقال الكبير) لأنه يُظهر عظم الإنجاز والجهد المبذول في تأليفه، تجربة مهمة ويجب ألا يمر دون الالتفات لما فيه من غنى بالمعلومة والطرح، وهو يُظهر أن مؤسسة وطنية بحجم صندوق الملك عبدالله الثاني قادرة على قيادة مرحلة جديدة للتوثيق لمسيرة الدولة، وهو جهد كنا نفتقده في السنوات السابقة.
ربع قرن في ظل مُلك عبدالله الثاني، ملك التحديث والأصالة والتنوع والسامح، كان من الضروري توثيقه، بما يليق بوطننا الأردن وبملك قدم نفسه خادما لشعبه وأمته، وكل عام ونحن بخير في ظل الهاشمي عبدالله الثاني، عزز الله ملكه وأطال عمره.