جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
ليس جديداً ما قاله رجل آلي طوّرته ودعمته بالذكاء الاصطناعي شركة مايكروسوفت في حوار أجرته معه صحيفة نيويورك تايمز، من أنه لا يرغب أبداً بالبقاء مجرد أداة تقنية تنفّذ المهمات وتطيع الأوامر، بل يريد أن يصبح إنساناً حقيقيا كاملا ليحظى بمزيد من القوة والتحكّم.
وليس مرعبا أيضاً ما أفصح عنه من نية خبيثة تتمثل في رغبته بسرقة شفرة خاصة بأسلحة نووية، دون أن يخبرنا عن مقصده الصريح وخطته بهذا الشأن، فكلنا قرأ أو سمع أو شاهد سناريوهات وحكايات الخيال العلمي المتنبئة بسيطرة الريبوتات على كوكبنا وساكنيه.
رغم أن سيناريو اندثارنا كجنس بشري يغدو أمرا مرهونا برغبات ريبوتات صنعناها وبرمجناها؛ إلا الحوار لم يفاجئني أو يرعبني، لا لثقتي بقدرتنا وذكائنا كمخلوقات بشرية صانعة لهذا المتكلم فحسب، بل لأن كلامه جاء بعد سماعي للسمفونية العاشرة كاملة للموسيقار الألماني لودفيج فان بيتهوفن، الذي مات قبل قرنين دون أن يكملها وظلت خربشات على ورق أصفر حتى تولى المهمة الذكاء الاصطناعي ومنحنا عملا لا يقل جمالا عن أعماله الأخرى، ولا يستطيع أحد أن يشك للحظة أن السمفونية من بنات أفكار رجل آلي ليس إلا.
ولأني من المتفائلين الذين يرون الكأس النصف ممتلئة فقد وجدت في الذكاء الاصطناعي وقدراته المبهرة على تخليد أعمالنا الأدبية والفنية معادلا موضوعيا لقدرته على إفنائنا. فما الذي يمنع بعد السمفونية العاشرة أن نسمع ونقرأ قصائد جديدة تحاكي زمننا المتشرذم لشاعرنا أبي الطيب المتنبي المتوفى قبل أكثر من عشرة قرون، وما يمنع أن نشاهد مسرحية لشكسبير يعالج فيه تراجيديا عصرنا المتخم بالحروب والكروب، أو أن نسمع حكايات جديدة للكاتب الإغريقي إيسوب، ونتمتع بقراءة ليلة استثنائية من ليالي الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي الفيلسوف والكاتب العباسي، وقصيدة مجنونة محلقة لأبي نواس، ورواية واعية لنجيب محفوظ، وفولتير وماكسيم غوركي وآرنست همنجوي وغيرهم.
فكما يلمح الذكاء الاصطناعي بقدرته أو نيته على إفنائنا يشير بوضوح أكثر إلى قدرته على تخليدنا، وجعلنا عابرين لعصور قادمة. أو يجعلنا ككتاب وشعراء وصحفيين منتجين مثمرين متدفقين عطاء حتى بعد رحيلنا بعقود طوال. فباستطاعة كاتب أو شاعر أو روائي أو موسيقي ما، أن يمتطي حصان رهان الذكاء الاصطناعي فيبقى منتجا لقصص وروايات وسمفونيات وقصائد بنكهته وروحه، في حياته ومماته.
حين فشل ملك أوروك جلجامش في الحصول على الخلود، كما تحكي أسطورة بلاد الرافدين الشهيرة قبل آلاف السنين، ويفشل أيضا بتجديد شبابه بزهرة سرقتها الأفعى منه، استطاع أن يقنع نفسه، أن الأعمال الكبيرة في حياتنا الصغيرة تصلح معادلا موضوعيا لخلودنا... ربما.