جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
من قال إن نبضاً من أغنية صغيرة شجية تنبع من القلب لا من الحنجرة لا يمكنه أن يختصر وطناً معموراً بالجراح والنواح. من قال إن لحناً بسيطاً مكتنزاً بالشجن لا يقدر أن يختزل أوجاع شعب لآلاف السنين، من آشور ونينوى إلى بابل حتى بغداد وكربلاء الوجع، أو أن ينوب مرة واحدة عن كل العاشقين في الأرض.
من قال إن بحة صوت (ياس خضر) المشربة بماء العشق الازلية حين يتوب حالفاً، ألا يردَّ يوماً على حبنا، لربما تخفف عن عشاق العالم وتطلق لهم دمعاً بارداً، يطفئ لهيب صدورهم، ويزيدهم عطشاً لذيذاً. من قال إن بوحاً مقطوفاً من نخيل شاهق لا يمكنه أن يضيء قمراً في عتمة الروح.
ومن قال إن كلمات مبثوثة مع صحراء الليل قبل الفجر، لا يمكنها أن تعبر بنا درباً يسيجه عطر الهيل، ودق القهوة، وبوح السمار، وصياح الريل (القطار). من قال إن ياس خضر لم يختصر وجع الأرض، ومعاناة الإنسان، ومحنة المحبين، وحنين الظاعنين، وبوح المتعبين في نغمة واحدة نذوب فيها. من قال إنه لم ينقلنا إلى أهوار العراق وبلابلها العاشقة.
ذات دجلة في كانون الثاني ما قبل حرب 1991 سحبني صوت من حبل قلبي وشدني نحو ضفاف دجلة. كانت الأضواء في تلك المقهى الصغيرة تتلاعب على صفحة الماء، كرموش عيون الساهرين على مدارج الانتظار، كانت ترتعش خافقة في برد يقصُّ المسمار. لكن دفئاً دبَّ في أوصالي جعلني أتوقف وأسمعة أغنية (تايبين) تأتي من مقهى قريب، فصرت أردد بنبض قلبي، تايبين ما نرد يوم على حبكم. ولأنني كنت ولداً بركاناً تعجبت كيف بردني كلام العشق واسكنني، ومنحني دمعاً طيباً. خرجت من هناك واشتريت تسجيلات لأغاني ياس خضر، ليصير صوته رفيق شجني وحزني على العشق والعاشقين.
أول أمس رحل الفنان ياس خضر صوت الارض وصدى المتعبين في بغداد التي شيعته مخفوراً بحنين دجلة إلى أنواه المتراقصة على مائه، رحل محمولا في قلوب محبيه النابضة بعطر البوح في كل مكان. شيعته بغداد ونحن ندندن له من عمان (إعزاز عدنا ويهو ينكر رمش عينه ويهو أقرب للجفن للعين لينا).
فسلام عليك أيها الشجي البهي. سلام على أوطاننا المسيجة بالحزن والظعن والوجع.
أهكذا يرحل العاشقون بغير تلويحة شجن أو دمعة بوح.