النسخة الكاملة

ساركوزي عن «الجزائر»: تنظير استعلائيّ بعيون استعمارية

الخميس-2023-08-21 11:43 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم محمد خرّوب

بعد محاولة فاشلة لغسل يديه من جريمة الامر باغتيال الزعيم الليبي/معمر القذافي، واصل الرئيس الفرنسي الأسبق سرديته التي تخفّت خلف تنظير استعماري معروف، محمول على نظرية تفوّق الرجل الأبيض, الذي ينظر باستعلاء وعنصرية نحو دول وشعوب الدول التي ابتليت بالاستعمار الفرنسي وبخاصة في افريقيا, التي ما تزال تدفع أثمان ارتكاب المُستعمِرين. ان لجهة الغرق الدائم في الفقر وانعدام الاستقرار, أم خصوصاً لجهة نهب الثروات و«استضافة» القواعد العسكرية, حيث يزعم المُستعمِرون انهم يحاربون الإرهاب, فيما الأخير يتغذّى على ما يقدمه هؤل?ء للجماعات الإرهابية من تمويل وإمداد بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية. بدليل وجود عدة آلاف من الجنود الفرنسيين والأميركيين, في منطقة شاسعة من دول وسط افريقيا ومعظم جمهوريات الساحل. حيث ما تزال الجماعات الإرهابية ترتكب فظاعاتها مع وجود هؤلاء, كما حدث مؤخرا بسقوط أزيد من عشرين جندياً من جمهورية النيجر (وما ادراك ما النيجر الآن, على جدول أعمال واشنطن وباريس والاتحاد الأوروبي، كذلك مجموعة إكواس والاتحاد الافريقي).

ما علينا..

ساركوزي في المقابلة المطولة و(المُملَّة) التي أجراها مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بمناسبة صدور الجزء الثاني المُكمّل لمذكراته السياسية (2008-2012) والموسوم «زمن النضال».. «أوصى» الرئيس الحالي/ماكرون (حيث يسعى الأخير إلى تحقيق تقارب على شكل مصالحة تاريخية مع الجزائر) أوصاه بِـ"عدم» بناء صداقة «مُصطنعة» مع القادة الجزائريين الذين يستخدمون – أضاف ساركوزي – فرنسا بشكل منهجي ككبش فداء, لـ"إخفاء عيوبهم وافتقارهم للشرعية».

صفات ومصطلحات عديدة أوردها ساركوزي في وصيته لماكرون, يجدر التوقف عندها وتفكيك الفخاخ التي استبطنتها محاولته الطمس, على جرائم وارتكابات أجداده المُستعمِرين الذين ولغوا بدماء الشعب الجزائري الشقيق, ونكلوا به ونهبوا ثرواته طوال قرن وثلث، بل اعتبروا هم كما أحفادهم من بعدهم وبخاصة قبل استقلال القطر الجزائري, بأن الجزائر هي جزء من فرنسا واسموها لفرط ثقتهم بأن استعمارهم لن يرحل.. «الجزائر الفرنسية", بعدما زرعوها بقطعان المستوطنين/الفرنسيين, في محاولة لتعديل الميزان الديموغرافي مع الشعب العربي الجزائري، تماماً كما?يفعل حلفاؤهم الصهاينة الآن في فلسطين المحتلة.

ضروري التذكير بان أحفاد المُستعمِرين الفرنسيين الذين سكنوا قصر الإليزيه, في الفترة بعد استقلال الجزائر الذي تم بدماء مليون ونصف المليون شهيد, فضلاً كما لحق بالجزائريين من ظلم وعسف واضطهاد ونهب لثرواته، إنما رفضوا - رؤساء فرنسا - الاعتذار عن جرائم أجدادهم وقال أحدهم (وهو ساركوزي بالمناسبة): الأحفاد لا يعتذِرون عمّا فعله الأجداد».. هنا «يُوصي» ساركوزي ماكرون (الذي رفض هو الآخر الاعتذار وان ابدى أسفه الذي لا يرقى إلى مستوى الاعتذار, بكل ما يترتّب على الاعتذار من استحقاقات معنوية ومادية وسياسية).

يُوصي ساركوزي ماكرون بـ«عدم محاولة بناء صداقة مُصطنعة مع القادة الجزائريين». أما لماذا هي صداقة مُصطنعة؟ فلا يُفسّر ولا يُوضح الأسباب التي دفعته إلى إطلاق صفة كهذه، لكنه لفرط عنصريته وحقده يذهب إلى مهاجمة القادة الجزائريين (الذين وفق منطقه العنصري يستخدمون فرنسا لاخفاء عيوبهم (أي عيوب؟ لا يقول) وافتقارهم الشرعية (رغم أن هؤلاء جاؤوا بانتخابات حرة ونزيهة, وآخرهم الرئيس الحالي/عبدالمجيد تبون, الذي أقرّ المراقبون الأوروبيون أنها إنتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية)..

لا يلبث ساركوزي ان يُضفي المزيد من الغموض على بعض مكنوناته, عندما يقول: إن «قادة الجزائر في أمسّ الحاجة لتحويل الانتباه عن الفشل الذي أغرقوا فيه بلادهم, من خلال اتهام فرنسا بكل الشرور».. وكأني به يُصفي حسابات «شخصية» قديمة, مع الجزائر.. القادة والشعب والكيان، دون قراءة سياسية موضوعية أو فتح لملفات الخلافات بين باريس والجزائر, والتي ما تزال باريس تحاول بلا كلل الطمس عليها وطي صفحاتها, وبخاصة ملف «الذاكرة», الذي تُصرّ الجزائر على فتحه والشروع في دراسته بموضوعية ونزاهة, للخروج باستنتجاجات وتوصيات يتوجّب تنفيذ?ا, بعيداً عن المراوغة وتجهيل الفاعل والحديث عن «تقادم», يمس الفترة الاستعمارية منذ العام 1830, والتي ما تزال مستمرة بشكل أو آخر عبر محاولة باريس التعامل مع الجزائر كمستعمرة سابقة, وليس وطناً مستقلاً لشعب ضرب أمثولة للعالم أجمع في النضال وكنس الاستعمار.

ماذا عن ليبيا؟

لم يعتذر ساركوزي (بطل تحرير ليبيا والبريطاني ديفيد كاميرون) عمّا ارتكبه بحق ليبيا وشعبها (دع عنك رئيسها) بل ذهب إلى انتقاد خلفه فرانسوا هولاند (2012-2017) الذي - قال ساركوزي - تخلّى عن الملف الليبي, بعد تدخل فرنسا ضمن تحالف دولي (الأدقّ: حلف الناتو)، كما أشار ساركوزي إلى أن الرئيس الأميركي الأسبق/أوباما، إعترف بنفسه (وفق ساركوزي بالطبع) ان التخلّي عن الديمقراطية الوليدة (التسمية لأوباما) في ليبيا عام 2012 كان أكبر أخطاء سياسته الخارجية».

فهل يُمكن بعد هذه القراءة الاستعمارية الاستعلائية العنصرية, تصديق كل هذه الرطانة البغيضة؟.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير