النسخة الكاملة

«انقلاب النيجر».. والهيستيريا «الغربية»؟!

الخميس-2023-07-31 09:20 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم محمد خرّوب

من بين ردود الفعل الإفريقية والإقليمية كما الدولية, التي أدانت الإنقلاب العسكري الذي أطاح رئيس النيجر «المُنتخَب» محمد بازوم. برز الموقفان الأميركي وخصوصاً الأوروبي, إن على مستوى «الاتحاد الأوروبي» أم رد الفعل الفرنسي تحديداً, حيث بدت تلك الردود أقرب إلى الهيستيريا المحمولة على صدمة وارتباك وانعدام حيلة, إزاء ما قام به الحرس الرئاسي, وتبعه بعد أربع وعشرين ساعة, تأييد ودعم من قيادة الجيش, التي أبدت «حذَراً» في الساعات الأولى للإنقلاب, ما لبث أن تأكد أنه حذَر تكتيكي, رام شراء الوقت من أجل إحكام السيطرة على البلاد, بتنسيق مع قيادة الحرس الرئاسي, الفائز الأكبر بوصول قائده عبدالرحمن تياني إلى الموقع الأول كرئيس إنتقالي, في انقلاب لم يكن مُتوقعاً رغم أن النيجر كما معظم الدول الإفريقية, لم تعرف ذات يوم استقراراً عبر توالي الانقلابات العسكرية, التي كان بعضها من تخطيط الدوائر الاستعمارية القديمة مثل فرنسا في دول غرب افريقيا والساحل, وإشعالها الحروب الأهلية و"التمرّدات» ذات الطابع القبلي أو الإثني بين مكونات بلدان عديدة. حيث ما تزال باريس تحتفظ بقواعد عسكرية في النيجر وقوة عسكرية يزيد عديدها عن 1500, كذلك حال الولايات المتحدة التي يصل عدد قواتها في النيجر الى «ألف» عنصر, وذريعة كل هذه الحشود هي الزعم بـِ«محاربة الإرهاب».

وإذا ما علمنا أن النيجر هي احدى أفقر دول العالم, فإن حقيقة كهذه تطرح المزيد من الأسئلة عن سرّ الهستيريا التي استبدت بعواصم الدول الغربية, سواء في واشنطن أم خصوصاً في باريس وبروكسل/الاتحاد الأوروبي, على نحو بدا وكأن الانقلاب وقع في إحدى الدول ذات الثروات الضخمة والمتنوّعة, أو تلك التي تتمتع بموقع استراتيجي قد يسهم (إذا ما ابتعد الانقلابيون الجدد عن التحالف الغربي), بإحداث اختلال في موازين القوى بين الدول الكبرى. رغم أن ليس لدى النيجر سوى معدن «اليورانيوم", حيث تحتل المركز الرابع بين الدول المنتجة.(تُزوِّد فرنسا بـ"35%» من حاجتها لليورانيوم).

أياً كانت تحالفات وطبيعة التشكيلات العسكرية التي أطاحت رئيس النيجر المنتخب/بازوم, فإن ما أعنلته واشنطن عن «عدم» توفّر أي دليل على انخراط روسيا أو مجموعة فاغنر في هذا الانقلاب, وإن كان يُقلِق المعسكر الغربي كثيراً تزايد واتساع النفوذ الروسي كما الصيني في القارة السوداء، بعد أن كانت الولايات المتحدة قد بدأت حملة واسعة دبلوماسية وإعلامية بأبعاد عسكرية, لمطاردة النفوذ الفرنسي في غرب افريقيا. إلا أنها الآن كما فرنسا تُبديان تعاوناً وتنسيقاً كبيرين من أجل محاربة النفوذ الروسي والصيني, الذي باتت تميل إليه معظم الدول الافريقية, بعدما تأكد الأفارقة أن المعسكر الغربي إنما يعيد إنتاج سياساته الاستعمارية السابقة, وإن بغطاء مُخادع وشعارات مُزيفة, دون اعتذار عن جرائمه ونهبه ثروات تلك البلدان, وخصوصاً سياسة الاتّجار بالعبيد, رافضاً دفع تعويضات لشعوب تلك الدول.

ثمة ما يدعو للمقارنة في هذا الشأن, ازاء الانقلاب الذي حدث في أوكرانيا شباط العام/2014، ضد الرئيس الأوكراني المُنتخَب/يانوكوفيتش. حيث شاركت الولايات المتحدة مباشرة وكان الدبلوماسيون الأميركيون/السفيرة نولاند, يوزعون الطعام والمشروبات ويأتون للمتمردين في ميدان كييف (سُمّيت ثورة الميدان الأوروبي) بخشب التدفئة والأغطية, ويصرحون على شاشات التلفزة تحريضاً ودعماً لكتائب النازيين/جماعة بانديرا, الذين أعلنوا التمرد وارتكبوا فظائع سجلتها عدسات الكاميرات وانتهت بإسقاط الرئيس المنتخب، فيما سارعت واشنطن إلى الاعتراف بالانقلاب وفعل ذلك الاتحاد الأوروبي ومعظم دول أوروبا, بعد أن كانت أعلام الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي وصور النازي/ ستيبان باديرا, الذي تحالف مع النازية في الحرب الكونية الثانية ترفرف في ميدان كييف. فكيف يمكن تفسير هذا النفاق الأميركي/الأوروبي, المُدافع عن انقلاب ضد رئيس أوكراني مُنتخّب, فيما تعلن واشنطن/وبروكسل الآن «عدم» الإعتراف بانقلاب النيجر.

ماذا عن «فنزويلا» كمثال ساطع «آخر» على نفاق الغرب وتآمره؟.

هي قصة دراماتيكية تعكس من بين أمور أخرى زيف المعسكر الغربي واستهتاره بالقانون الدولي, ومواصلة تكراره أسطوانته المشروخة حول حقوق الإنسان, والانتصار للشرعية. وحق الشعوب في اختيار النظام الذي تريده.

إذ فجأة تم خلع الشرعية عن الرئيس المُنتخَب مادورو, والاعتراف بدمية يشغل موقع رئاسة البرلمان/خوان غوايدو رئيساً لفنزويلا, ثم توالى الاعتراف الأميركي/الأوروبي بهذه الشخصية المُتأمركة, وتم استقباله والتعامل معه كرئيس لفنزويلا, بل قامت بريطانيا بمصادرة وديعة «مليارية» من الذهب للحكومية الفنزويلية في البنوك البريطانية, لصالح المعارَضة وحكومتها المؤقتة. إلى أن انتهت اللعبة الأنجلوساكسونية بهزيمة المشروع الأميركي الأوروبي, وتم حلّ تلك الحكومة الصورية وعزل «غوايدو». بل إن الاتحاد الأوروبي أسقط اعترافه بهذه الدمية كرئيس «مُؤقت» لفنزويلا.

** إستدراك:

طالبتْ فرنسا «المجتمع الدولي» باستعادة النظام الدستوري, والسلطة المُنتخَبة ديموقراطياً في البلاد بـِ«دون تأخير». مُعلِنة عدم اعترافها بسلطة الإنقلاب, ومُؤكدة أن الرئيس الوحيد للنيجر هو الرئيس المُنتخَب/محمد بازوم.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير