النسخة الكاملة

لماذا لا تهرب أشجارنا

الخميس-2023-07-16 09:19 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي

مع حرقة قلبي لحرائق غابات عجلون وجرش في الأيام الماضية تمنيت لو أن أشجارنا المضطهدة تغدو قادرة على الهرب بعيداً. أريدها أن تفلت من التطهير العرقي الذي تتعرض له في حمانا. فما لم تصله مناشير وفؤوس عصابات التحطيب وتجار الأحطاب تلتهمه حرائق الصيف المفتعلة في أغلب أمرها.

ما زاد من لوعة قلبي أننا لم نجد من يتوجع في مواقع التواصل الاجتماعي والواقع على الحريق الذي أتى على 1200 دونم من أشجار معمرة لا تعوض في وادي الشام والصفصافة؛ لأننا لا نزرع. كيف لم نضج بالألم والغضب مع أخواتنا الأشجار التي نالتها ألسنة النيران؟ أين جيوش فيسبوك وتويتر وانستغرام التي تتعاطف باستعراض مع نملة تغرق في موزنبيق أو نبتة موز انزلقت بها التربة في بورما، ولا نراها تتعاطف مع غاباتنا التي تتعرض لكل هذا الدمار؟ لماذا ظلت حياتنا طبيعية والنيران تلتهمها وكأنها في القطب البعيد؟.

ظننت في لحظة حالمة أننا سنعلن حداداً وطنيا على الاشجار المحروقة والمقطوعة فخاب ظني لأصحو على عدم تأثر واكتراث. فمن الثابت أن الأشجار غدت آخر همنا. هذه حقيقة مؤلمة ملموسة لا تحتاج لدليل.

نحن في حرب شعواء تشنُّ على كل ما تبقى من غصن أخضر لدينا. ففي عجلون وجرش تستعر كل صيف معارك ضد غابات تشكل أقل من واحد بالمائة من مساحة بلدنا، وإن سكتنا- ونحن سنسكت كالعادة- ففي ظرف سنتين أو أدنى، سنصبح بلداً منزوع الخضرة. فالمناشير المجنزرة لعصابات ومافيات التحطيب تتضافر مع هذه النيران ولا يحركها إلا الجشع.

فبوسعك إن مررت بعجلون وجرش وقراهما أن تقرأ بتحسر آلاف الاشجار التي لم يبقَ منها إلا جذع مقطوع تدل على أن شجرة كبيرة كانت هنا. وستقرأ ايضا عشرات النيران التي تعاقبت على شحمة المكان وشوّهت ثوبه الأخضر وهتّكته وتركته بقعة سوداء. ستقرأ أشجار اللزاب الماثلة كأصنام جثة صارخة للعابرين. وستقرأ أشجار القيقب والملول المتفحمة تقف كمشنقة وستقرأ السواد يتكسر على السواد.

لم تعد تفاجئنا المناطق التي تصبح جرداء وسط الغابة بفعل تلك المافيات (وأنا أقول هذا وأنا مسؤول عن كلامي). ولم تعد تفاجئنا أيضا الحرائق التي يشعلها بدم بارد أعداء الحياة وتجار الكروب في غالب أمرها. لم تعد تفاجئنا حتى لو أحرقت شغاف القلوب مرة إثر مرة، ليس لأن رماده السابق ما زال يكمم أنفاسنا، بل لأننا لم نعد نهتم وكأن الأمر لا يعنينا.

نعتز أننا في بلد لا يقبل أن يقيّد جريمة مهما صغرت ضد مجهول، ونفتخر بسرعة القبض على كل من أراد أن ينفذ بجريمته ونجلبه للعدالة وفعلته طازجة خضراء ولهذا يحق لنا أن نستهجن كيف للمجرمين الذين تتكرر جرائمهم بقطع الاشجار وحرقها أن يبقوا طلقاء لا يفكرون إلا بمزيد من الغنائم؟ كيف نعجز عن الأخذ على يدهم وإيقافهم وتقديمهم للعدالة؟
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير