جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
في حنانية الشوب وشدته. لا الغناء ولا رندحة الميجنا أو بحة العتابا، كانت تكفي الحصادين ليخففوا من وطأة العمل وثقله تحت سياط الشمس اللاهبة ومخارزها. ولهذا كانوا يلجأون إلى تكتيك آخر يخفف من حرهم ويلطف جوهم.
هذا التكتيك كان «سواليف الحصيدة»، أي الكلام الخيالي المبالغ فيه أو الفنتازي والمضحك أحياناً، أو الأحلام الكبرى، الشهية، المفرحة، أو المشاريع العملاقة الضخمة التي لها في البال جذر صغير، أو الكذبة الباردة التي بحجم جبل الشيخ. هل ما زال حرُّ هذا الزمان يتبدد بالكذبات الجميلة وسرد الأمنيات؟
ذات تموز لاهب تمنيتُ أمنية عمانية لذيذة. تمنيت نهراً من «الشنينة» الباردة يشق مدينتنا ويلطف أجواءنا ويخفف ثقل غيمة التلوث التي تخنق سماءنا وتكبت أنفاسنا بسبب السيارات وتناسلها الرهيب. هذا النهر الشنيني سيكسر أسنان موجة الحر العنيدة ويلوي عنقها ويعيدها إلى صحرائها «فارعة دارعة».
بعضنا يتحول إلى كائنات ليلية لا تقوى على الخروج في وضح الشمس، أو إلى نباتات ورقية غافية في وداعة مكيفات الهواء. ولكننا لا ننسى أن ثمة من لا يأكلون خبزهم إلا انتزاعاً من فم الشمس وعينها، دون القدرة حتى على ترف بوح الأمنيات، وسواليف الحصيدة، أو رندحة العتابا. لهؤلاء نقول، يعطيكم العافية. فالأوطان لا تبنى دائماً في مكاتب ناعسة، بل تحتاج رجالاً في عين الشمس.
يوم أمس ومع دخول الموجة الحارة إلى أجوائنا دندنت بنصيحة شعبية لكل الأصدقاء الذين كانوا لا يبدأون حديثهم معي إلا بالتشكي والتأفف من حر يجعلنا نحس أن قرص الشمس اقترب منا أكثر مما يجب ودخل بيوتنا، لهؤلاء غنيت «من حم الشوب اشرب رايب».
في زمن حصايد القمح كانت السواليف تنفع الحصادين وتسلي عنهم، وتجعلهم لا يشعرون بالتعب والشوب، وتجعلهم يحلمون بحلم طري كمخدة ريش. لكن في أيامنا هذه فلن تزيدنا سواليف الشوب إلا شوباً ولوباً ونزقاً. وحتى «العرط» على مواقع التواصل وعلى منصات الواقع وسواليف حصائدهما تجعلنا نحيا شوبين معاً، شوبا برانيا وآخر جوانيا.
ودوما لا أسهل من خراريف وسواليف ننثرها تحت هدير المُكيفات ونبثها من وراء الهوتف والشاشات.