النسخة الكاملة

كدت أكون .. مذيعاً !

الخميس-2023-07-03 10:09 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رشاد ابو داود

أن تتخرج من جامعة دمشق في ذلك الزمن فكان لك أن تفتخر. ليس لأنك عبقري و»فلتة زمانك « بل لأنك نجوت من عبقرية أساتذتها وتشددهم وأحياناً مزاجيتهم. عندما تخرجنا وعدنا الى البلد كنا نلتقي زملاءنا الذين تخرجوا من الجامعة الأردنية، الوحيدة آنذاك، ومن جامعات دول عربية أخرى وأغلبها مصر والعراق.

كان زملاؤنا من تلك الجامعات يفتخرون بتقديرهم، امتياز أو جيد جداً، وجيد. أما خريجو دمشق فكانوا يقولون بافتخار مقبول بأربع سنوات، الآخر مقبول بخمس أو ست سنوات. طبعا لم يكن أحد يحصل من جامعة دمشق بتقدير ممتاز أو جيد جداً، خاصة في الكليات الأدبية.

زميل لنا حصل على الليسانس «البكالوريوس» في اثنتي عشرة سنة. كيف؟

رسب سنتين في السنة الأولى ولم يكن وضع أبيه يسمح له بأن يوفر مصروفات ابنه فعاد الى عمان وعمل ممرضاً ثم مضيفاً وأكمل بقية السنوات بالانتساب. كل سنة جامعية يجتازها بسنتين و»يرتاح « سنة الى أن تيسر أمره وحصل على ليسانس الأدب واللغة الانجليزية. وكنا نمازحه بالقول يجب أن يكتبوا في شهادة الليسانس « مقبول مع مرتبة الصبر» !

أما الشهادة فكانت ورقة مروسة بختم الجامعة ثم ثلاثة أسطر تنتهي بـ « وتقرر منحه شهادة الليسانس بتقدير مقبول «. نتسلم الورقة الشهادة من ادارة شؤون الطلبة. وكانت جواز المرور الى..الحياة العملية. الشهادة الكبيرة ذات الختم الذهبي الكبير لتعليقها في صدر البيت، فكان يستغرق استلامها اكثر من شهر وخلال هذه المدة نكون قد غادرنا، منا من يعود الى الجامعة ومنا لا يعود وتبقى الشهادة في الجامعة حتى الآن، ومنهم أنا !.

تذكرت «تخرجنا» وأنا أحضر «تخرج» حفيدي من الروضة الى الصف الأول. وتابعت حفلات التخرج التي تقيمها المدارس الخاصة لكل صف أو مرحلة وما يرافقها من مهرجانات، وكله من جيب ولي الأمر، حتى أصبح ابن الروضة يعتقد أنه أنهى من حياته مرحلة المدرسة. احدى الفتيات قالت لوالدها بعد «تخرجها» من سنتي الروضة وكانت أمضت سنتين في الحضانة «خلص بابا ما بدي مدرسة أنا تخرجت وزهقت» ....معها حق. فأيامنا لم يكن لا حضانة ولا روضة ولا مصاريف تعادل مصاريف جامعة زماننا.

شو بدك تشتغل ؟ كان هذا السؤال المصيري الذي كنا نساله لبعضنا نحن الخريجين.

منا من يقول أريد أن أقدم للتدريس في السعودية وآخر للامارات أو البحرين أو الكويت، اي الدول الخليجبة التي تعطي رواتب مجزية. أنا كانت أمنيتي أن أصبح مذيعاً. فقد كنت في الثانوية أستمع الى البي بي سي العربية وصوت العرب المصرية والاذاعة الاردنية من أول راديو ترانزيستور بني اللون اشتراه أبي بتسعة دنانير. وكنت أقلد صوت المذيعين ومنهم سيىء الذكر أحمد سعيد. تقدمت بطلب الى الإذاعة الأردنية دون أن أعرف أحداً فيها، واذ أجد شاباً وسيماً ذو شعر مائل الى الأشقر، عندما علم أنني خريج دمشق لغة انجليزية، استقبلني بود قائلاً : انا أيضاً تخرجت من نفس الكلية ونفس التخصص لكن قبلك بعدة سنوات. كان هذا الشاب عدنان الزعبي الذي أصبح من أوائل مذيعي نشرة الأخبار في الاذاعة ثم التلفزيون الأردني.

شجعني وقال، اذا نجحت في امتحان الترجمة واللغة تعمل معي في برنامج اخباري - نسيت اسمه - كان يذاع بعد نشرة أخبار الثانية ظهراً ويشرف عليه عبد السلام الطراونة. قلت له : أمنيتي أن أكون مذيعاً. قال « طول بالك، بعد تحرير الأخبار يعملون لك اختبار صوت، اذا نجحت تعمل مذيعاً.»

فرحت أيما فرح أولاً لوجود وتشجيع عدنان وثانياً أنني اقتربت من تحقيق حلمي.

قدمت الامتحان ونجحت.

وتلك حكاية أخرى...
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير