النسخة الكاملة

عندما ينقلب الخونة على بلدهم

الخميس-2023-06-25 09:47 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم فايز الفايز

بعيداً عما يتداوله المهتمون بالشأن الروسي الروسي وما وصلت إليه موسكو من نفاذٍ لصبرها أمام سوء التقدير و عدم اليقين في عملياتها التي شنتها ضد أوكرانيا، حيث استنزفت الحرب من عصب الدولة الروسّية الكثير وثبت أخيراً أنها لن تتمكن من الاحتفال بالنصر، فهناك ما هو أخطر من خسارة الحرب، وهو شبح تفكك جديد للفدرالية الروسية، خصوصاً بعدما خرج قائد قوات «فاغنر» يفيغني بريغوجين على الرئيس بوتين بانشقاق عسكري وانسلاخ من كل المعايير الوطنية، إذا كان الوصف دقيقا، ففي اللحظة الحاسمة قد يركن القائد إلى الحائط ظناً منه أنه كسب?الجولة، ولكن الخيانة دائما ما تأتي في الحلقة الأخيرة.

مجموعة فاغنر المقاتلة، هي تماماً تشبه قوات بلاك ووتر التي بدات عملياتها في العراق، وارتكبت فضائع حققت بها منظمات حقوق الإنسان، ولكن لم يحاسب أحد، وليست هاتين المجموعتين فحسب، بل هناك فرقة قتال واغتيالات أخرى في شرق آسيا، حيث ظهرت في هونغ كونغ شركة أمنيّة أخرى تدعى » الفيلق السلافي» أسسها عميلان روسيان لشركة أمنّ سرّية تتبع لمجموعة موران الأمنية، ويقودها العميلان «فاديم غوسيف ويفغيني سيدوروف»، وكل أولئك المرتزقة قاموا بعمليات قتالية في سوريا وليبيا وغيرها من دول تحت غطاء خبراء عسكريين، ومنهم فاغنر التابعة س?ياً، كما يشاع، لجهاز الاستخبارات الروسية.

منذ يومين استفاق العالم على انشقاق لمجموعة فاغنر وأعلن قائدها الحرب على الرئيس بوتين، مهدداً إياه بأنه سيُزاح عن قمة روسيا التي تداولها عبر عقدين من الزمن، وفي المعايير الأدبية يعني ذلك خيانة لبلدهم بغض النظر عن المبررات التي طرحها القائد الملياردير، ومن المحتمل أن ينضم لقواته العديد ممن يناهضون الحرب على أوكرانيا، ومن المحتمل أيضاً أن تنسلخ بعض المقاطعات الروسية لتعود الحرب الداخلية، وهذا ما يعني تفكك الفيدرالية الروسية إذا حصل ما لم يكن في حسبان بوتين الذي بات منبوذاً من دول الغرب، وزد على ذلك فتح شهية د?ل أخرى في شرق أوروبا، حيث أن رومانيا ضمت جزءاً كبيراً من أراضي هنغاريا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ومثلها اليوم النزاع بين صربيا وكوسفو.

تلك مقدمة معروفة ومفهومة عند العديد من السياسيين ومبرمجي هندسة العلاقات الدولية العالميين، وليس أدلّ على ذلك ما وقع في سوريا، إذ دعمت القوات الأجنبية هناك حالة التشظي المجتمعي وتجيير الأراضي السورية حسب المكونات العرقية في الشعب السوري، خصوصاً في شرق وشمال سوريا، ووضع غطاءٍ دولي على ما أسموها حماية الأقليات، وقبلها ما وقعت فيها العرقيات في العراق، يقابلها ما جرى في ليبيا واليمن، وما كان ذلك إلا بمساعدة الخونّة الذين سهلوا التعامل مع الطرف الأجنبي لافتراس بلادهم.

القضية اليوم ليست نزاعاً بين عرقيات أو مجتمعات غير متجانسة في المجتمع العربي، بل في المجموعات المتوالية من أزلام التغيير المرتبطين مع مؤسسات عالمية تهدف إلى تفريغ الدولة من محتواها الوطني، وإثارة النعرات بين مكونات المجتمع، والاستفراد بالمؤسسات الخاصة التي ذاقت حلاوة التمويل الأجنبي، تحت غطاء دعم المنظمات الحقوقية والإنسانية التي تبنتها المؤسسات الأجنبية لتغيير كافة العناصر الوطنية التي تقوم عليها الدولة، وهذا ما سيصل بنا إلى تفكك الأسرة والتطاول على الثوابت الوطنية، وجلدّ أي مسؤول قد يقدم فكرة أو يفكر بال?غيير الإيجابي، ليضعوه هدفاً لسخريتهم، لا لمساعدته في توضيح الصورة غير المفهومة.

قد يتبرّم أحدهم من هذا القول، ولكن ما أصبحنا نراه أن هناك مظلات حمائية تتباكى على إجراءات الحكومات مثلاً أو السماح بكل ما يضرب رمحاً في قلب الأخلاق الحميدة سعياً للانعتاق المدعوم، أفلم نرى من خرج طلباً للعمل والرزق ثم نراهم يهذرون بما لا يعلمون، ويعضّون يد الدولة التي تخرجوا منها؟ هذا هو منطق المرتزقة أي كانت أصولهم، وكما نراهم اليوم نادمين على ما أسرفوا من أراجيف.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير