النسخة الكاملة

تعويض الفاقدين التعليمي والعاطفي

الخميس-2023-06-19 10:11 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي

جوبه قرار وزارة التربية والتعليم بتقليص العطلتين الصيفية والشتوية ثلاثة أسابيع بغضب كبير عبر صفحات التواصل الاجتماعي. فبعض المعلمين يرون القرار استهدافا لحق من حقوقهم الوظيفية، فيما عدَّه بعض الأهالي أمرا غير مدروس يعتدي على مساحة أبنائهم الخاصة في الترفيه والراحة. الوزارة عللت بتر العطلتين بمحاولتها تعويض الفاقد التعليمي الكبير لدى الطلبة.

أحيي الوزارة على قرارها المسؤول حقاً، الذي ناديت به عبر هذه الزاوية قبل سنة ونصف، بحكم أن الانقطاع عن الدراسة خلال جائحة كورونا خلف كثيرا من المآسي أبرزها الفاقدان التعليمي والعاطفي.

وإن كنا لا نلوم الأهالي على شجب القرار فإننا نطالب الوزارة أن تخرج لناس بكل شفافية وتوضح كيف ستعوض هذين الفاقدين. يجب ألا يترك الأمر للارتجال والفزعة وتعبئة الوقت كيفما اتفق. التعويض يجب أن يمنهج وأن يكون واضح المعالم جلي الأهدف قابلا للقياس، والمهم أكثر أن يكون ممزوجا بالأنسنة، فكلنا راى كيف ابتهج بعض طلبتنا بالعطلة الصيفية بتمزيق كتبهم وذرّها بمهب الريح.

هذا السلوك ينبئ عن كثير وخطير. فهم يرون مدارسهم مملة غير محببة لقلوبها، وهذا من حقهم، فتلك الأشياء لا تفرض فرضاً. فلو كانوا يحبون المدرسة ويرونها ممتعة، وليست حالة عقوبة لما راينا ما رأيناه.

الفاقد العاطفي أكبر من الفاقد التعليمي. الأهالي يضجون بالشكوى عن اندغام أولادهم وتوحدهم بهواتفهم النقالة وحواسيبهم وألعابهم وانقطاعهم عن اللعب الطبيعي والصداقات، وتمني الدراسة عن بعد، وأن حالة اللا جدوى آخذة بالتسلل إلى نفوسهم.

لا أكاد أتذكّر شيئاً من الدروس التي تلقيناها في الصفين الأول والثاني الأساسيين. ولا حتى أقوال المعلمة، وزمجراتها لما تغضب. بل أتذكر بالصورة والصوت والرائحة مرحنا الصاخب في الخمس دقائق الفاصلة بين حصتين. اغانينا المجنونة اللا معقولة عن قطّة تطرحني من فوق صخرة؛ فيسبق رأسي رجليَّ.

أتذكر نكاتنا السخيفة، وكيف نملّحها ونبهّرها، قبل أن نمررها إلى الآخرين. عراكاتنا التي تنتهي كما بدأت في لحظات. سعادتنا حين نشدُّ حبالنا الصوتية وننشد: عمي منصور النجار يبدع في يده المنشار. المنديل الأزرق إذ يُلقى على رؤوسنا في لعبة «طاق طاق طاقية شباكين بعليية». وما زلت حتى الساعة أسأل قلبي: أين هما الشباكان؟ وأينها تلك العليية؟.

المدارس ليست دروسا واختبارات ودرجات فحسب. بل هي حياة تتكاملُ وتتناغمُ بما يكتسبه الطلبة من خبرات ومعارف ومهارات تواصلية إنسانية، ولعب ومرح ومشاركة. هي صداقات وعلاقات تبني الشخصية وتنضجها.

نريد لفترة تعويض الفاقد التعليمي أن ترافقها برامج اجتماعية وإنسانية مرحة عامرة بالتواصل الغني الذكي الممنهج؛ علنا نستطيع أن نعوضهم جزءا مما فقدوه عاطفيا ونفسيا واجتماعيا.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير