النسخة الكاملة

إسرائيل دولتان...

الخميس-2023-06-11 11:16 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم الدكتور علي عبد السلام المحارمة

لقد تشكّل المجتمع الإسرائيلي من مجموعات غير متجانسة من البشر قدموا من دول وثقافات وحضارات متعددة، لا يلتقون سوى على قضية واحدة غير مثبتة؛ وهي الانتماء لليهودية، وذلك مع صرف النظر عن ماهية اليهودية المقصودة: هل هي ديانة؟ أم قومية؟.

وإن كانت اليهودية في هذا السياق ديانة؛ فهل اليهودي هو من ينطبق عليه التعريف (الحريدي) السلفي لليهودي بأنه فقط هو من يولد لأم يهودية؟ أم أن هذا التعريف يمكن له قبول اليهودي الذي تم تهويده عبر مسارات اليهودية الإصلاحية المنفتحة على العالم عكس نقيضها الأرثوذكسي؟.

أما إن اعتبرناها قومية؛ فهل تلك القومية مرتبطة بعرق مميز من البشر؟ أم بالبنيان والعمران؟ وغير ذلك الكثير من التساؤلات التي من شأن الإجابة عليها تبديد المزاعم والدعاوى التي تبنتها الحركة الصهيونية الاستعمارية عبر تاريخها المليء بالتلفيق والتزوير والخداع عن بكرة أبيها.

إن هذا المجتمع؛ الذي ربما تنطبق عليه تسمية تجمع أكثر من مجتمع، حافل بالتناقضات والتباينات والخلافات التي كان يتوارى أثرها خلف قضية الأمن، حيث هنالك عدو وخطر عربي خارجي يوحّد خصوم الداخل، ومع تراجع الخطر القادم من الخارج بفعل انحدار النظام العربي وانشغاله عن القضية الفلسطينية بقضاياه وهمومه الأخرى خلال العقدين الماضيين؛ مع هذا التراجع أخذت تتصاعد مظاهر الفرقة والفجوات حتى وصلت حد مستوى الصراع الذي أصبحت أهم ملامحه محورين بارزين:

أولاً: المحور الليبرالي العلماني:

وهو وريث الفكر الذي ساد عبر تاريخ الكيان وتولى تأسيسه وقيادته، ويتبنى الفكر الصهيوني المنسجم مع الحضارة الغربية، وينفتح على الطروحات والحلول التي تستوعب جميع اليهود من كافة مشاربهم، لكن نخبة هذا المحور كانت من اليهود الغربيين الأشكنازيم من أصول أوروبية على الدوام، وغالبيتهم من المالكين والأثرياء، ومن أصحاب الحظوظ الأكبر في التعليم، وينظر هذا المحور للدين اليهودي بأنه مكوّن أساسي ومحترم للهوية الإسرائيلية، لكنه ليس المكون الحاكم أو الناظم لهذه الهوية ولمساراتها وتحركاتها، حيث تبقى السيادة للمصلحة العليا للكيان، ويؤمنون بإمكانية تحقيق مصالح إسرائيل بوسائل متعددة من بينها القوة؛ وليست وحدها.

وقد اتّسم هذا المحور بالإنتاج والعمل، وبقواعد المنهجية العلمية والديموقراطية في اتخاذ القرار بحيث أسهم في صياغة صورة نمطية للكيان الصهيوني في الغرب والعالم بأنه نظام ديموقراطي متحضر في محيط إقليمي مليء بالتخلف والرجعية والاستبداد.
ويتركز غالبية أتباع هذا المحور في المدن الكبرى وأهمها تل أبيب وحيفا ويافا.

ثانياً: المحور السلفي الديني:

وقد تشكّل هذا المحور عبر العقود من فئات المهمشين وأبرزهم اليهود الشرقيين السفارديم، ومن المتدينين، ومن طبقات الفقراء، وقليلو التعليم، وهم الذين تسيطر عليهم الأفكار والأحكام الدينية والقومية، وغالبيتهم غير منتجين ويعمل جزء كبير منهم في مجالات لا تسهم في التنمية، مثل الدراسات الدينية والتاريخية، ولا يتقبلون الآخر؛ حتى لو كان هذا الآخر يهودي أيضاً من مجموعات مختلفة.

ويؤمن أتباع هذا المحور بأن النموذج الإسرائيلي الذي حلموا به عبر تاريخهم مخالف كلياً للنموذج الذي بناه بن غوريون ورفاقه، وأن تميز اليهود واختلافهم عن بقية البشر يتطلب حركة تصحيحية لمسار الكيان تتطلب إقصاء كل من يخالفهم الرأي من المشهد، ويؤمنون بأن قوة إسرائيل وحدها الكفيلة بحماية إسرائيل ووجودها في محيط من الأعداء العرب.
ويعتقد غالبية أتباع هذ النموذج بأن الديانة اليهودية وموروث اليهود التاريخي يجب أن تكون دوماً مصدراً وملهماً للقرار الإسرائيلي بصرف النظر عن مصلحة الكيان العليا، ويتمسكون أيضاً بالصورة التاريخية لإسرائيل والتي يجب الّا تكون استنساخاً للمجتمعات والنظم الغربية.

ويتركز سكن غالبية أتباع هذا النموذج في القدس، وفي المستوطنات التي تم بناؤها في الأراضي العربية المحتلة عام 1967.
إن تبلور هذين المحورين بالصورة المبسطة أعلاه قد شكّل دافعاً لدى بعض المفكرين الإسرائيليين لتبني طرح نظام كونفدرالي إسرائيلي يضم حكومتين محليتين:

الأولى: دولة تل أبيب، وتضم المحور الأول.

الثانية: دولة يهودا، وتضم المحور الثاني.

وبقاء الأجهزة السيادية موحّدة، مع إهمال شبه مطلق لوجود العرب في المجتمع الإسرائيلي.

لقد جاء هذاالطرح سعياًلمنع الانزلاق نحو حرب أهلية بين المحورين تفضي لزوال إسرائيل ودمارها، وذلك بعد ترسّخ القناعة لديهم بصعوبة، بل استحالة التعايش بين نموذجين على هذا النحو من التباين والاختلاف.

إن مستقبل وجود إسرائيل خلال السنوات القادمة سوف تقرره بالمقام الأول قدرة العرب على التأثير والتغيير، ثم تفاعلات هذا التمحور والتحشيد، بالإضافة لقدرة أجهزة وأدوات الصهر والتجميع على إبطال وتدارك أثر هذا التمحور قبل الزوال...
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير