جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم جميل النمري
انتهت المحطة الأولى من مشروع التحديث السياسي في منتصف أيار باجتياز سبعة وعشرين حزبا لامتحان التصويب. رقم أعلى كثيرا من التوقعات الأولية بتقليص الأحزاب الى عدد لا يتجاوز اصابع اليدين. مع ذلك بحساب ان الأحزاب كانت قد وصلت الى 56 حزبا فالتقليص يبدو ملموسا.
لم يكن الهدف شطب الأحزاب الصغيرة الكثيرة بل دفعها للاندماج، لكن ما حصل أن حزبا كبيرا بديلا قد نشأ وانضم له عشرات النواب بديلا للأحزاب الكثيرة المحسوبة على اللون الوسطي والمحافظ والتي فشلت بالاندماج كما فشلت محاولات 19 حزبا منها للتصويب اضافة الى عدد لم يتقدم للتصويب أصلا فأصبحت جميعا بحكم المنحلة.
هناك أيضا طلبات محدودة لتأسيس أحزاب جديدة قد ينجح بعضها فتصل الأحزاب المرخصة الى عدد لا يقل عن 30 حزبا، وأغلبها بدون لون سياسي واضح يبرر وجودها المستقل سوى الطموح الشخصي لقياداتها. وهذه ليست نهاية المطاف فعندما تقترب الانتخابات قد تظهر خلافات على الترشيحات تقود الى انشقاقات قد تؤدي الى تشكيل احزاب جديدة ليتمكن اصحابها من الترشح عن الدائرة العامة في الانتخابات القادمة، وبحساب الصعوبة الشديدة لتشارك اكثر من حزب في قائمة واحدة فقد لا يقل عدد الأحزاب المتقدمة للانتخابات عن 30 حزبا.
يجب أن لا نجلد الذات ونبشر بالفشل. فالظاهرة طبيعية وستتكفل العتبة الانتخابية بمزيد من التصفية. نحن نسمع عن عدد محدود من الاحزاب البرلمانية في البلدان الأخرى وبعضها معروفة بنظام الثنائية الحزبية أي حزب يضم كل الطيف من اليمين الى الوسط وآخر يضم كل الطيف من اليسار الى الوسط، لكن على الهامش يوجد الكثير من الأحزاب التي لا يذكرها الاعلام والكثير منها ينخرط وقت الانتخابات في احد التجمعين الرئيسيين. ولا يكاد يتماثل بلدان في شكل الخارطة الحزبية أو درجة استقرارها. والأردن الذي يتحول الآن فقط الى الانتخابات الحزبية ليس متوقعا ان يشهد مباشرة الصورة المثالية المفترضة .. مثلا ثلاثة او اربعة احزاب رئيسية تمثل التلاوين المفترضة لليمين واليسار والوسط. ولعل اغلب الأحزاب الموجودة لا تملك أصلا فكرة سياسية واضحة عن ذاتها ولا عن القاسم السياسي - الفكري المشترك لأعضائها.
ليس ان شروط القانون الجديد للأحزاب كانت بلا جدوى. فلم يحصل من قبل مثل هذا الحراك الاستثنائي والتعبئة لتلبية شروط الترخيص. وقد حدثت خلال الشهور الماضية مئات اللقاءات مع الناس للحوار والاستقطاب في المحافظات والقرى والبوادي والمخيمات. وبذلت جهود غير مسبوقة للتواصل وتنشيط الأعضاء وتنسيب الجدد وتطوير مهارات الادارة والتنظيم وضمان مؤتمر بحضور ما لا يقل عن 500 عضو. كانت تجربة شاقة ونافعة باعتراف أحزاب عقائدية راكدة هاجمت بشدّة شروط القانون «المجحفة « لكنها اضطرت للخروج من التقوقع وبذل كل جهد للاستقطاب واستعادة العدد الوافر من الاعضاء اللذين غادروا من زمان، وكما قال الأمين العام الجديد للحزب الشيوعي الاردني «رب ضارة نافعة» فالرجل نفسه كان من اللذين ابتعدوا عن الحزب من زمان.
الآن وبعد التصويب لن ينام كل حزب على حرير الانجاز اذ ستبدأ المهمة الأصعب للاتصال بالرأي العام وتحقيق حضور وطني أوسع تمهيدا للانتخابات المقبلة. وأمام الأحزاب مجتمعة مهمة كسب ثقة الجمهور بالمؤسسة الحزبية كنظام صحيح ولازم وتبديد المخاوف والشكوك وخصوصا حول توفر الارادة السياسية وجديتها. وبالنسبة لي شخصيا كان هذا هو التحدي الرئيس في كل مكان وكل اجتماع. فقبل اقناع الناس بمشروعنا السياسي الحزبي للتغيير (الحزب الديمقراطي الاجتماعي) كان يتوجب اقناعهم بمشروع الاصلاح السياسي نفسه وتقديم الشواهد والبراهين على توفر الارادة السياسية القاطعة والنهائية بهذا الشأن. ولم تكن تنقص المشككين طبعا الحجج والشواهد المضادة وآخرها الاتهامات التي وجهها احد الأحزاب بتعرضه لضغوطات شديدة وترهيب المنتسبين اليه ودفعهم للاستقالة لمنع الحزب من التصويب. والأمر محيّر فعلا اذا صحت الاتهامات فلا نفهم الخطر من حزب مهما علت نبرته المعارضة ما دام الترخيص يلزمه بالدستور والقانون، وهذا افضل كثيرا من انفلات الساخطين الى الحراكات العشوائية في الشارع والكفر بالنظام السياسي أو رفع راية العصيان.