النسخة الكاملة

الحزبيون والرأي الآخر

الخميس-2023-05-15 11:16 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم عمر عليمات

في الآونة الأخيرة، برز توجه مقلق لدى بعض الأفراد والجماعات يتمثل في قناعاتهم بأن كل طرح يخالف توجهاتهم يمثل تعدياً على الوطن وثوابت الدولة ودستورها، وهذا التوجه ليس ضاراً فحسب بل عامل مساعد على تفتيت المجتمع.

الدولة بمفهومها الشامل تحتمل الكثير من الآراء والأفكار ما دامت مظلتها الدستور والقوانين، فكل ما يطرح ويقال يرفض أو يقبل بقدر تماهيه مع الدستور الذي يحمي الجميع، والدستور محمي بقوة الدولة، وهي التي تفسر نصوصه وتعرف مَن يتعدى عليها أو يتوافق معها، فالدولة ليست ضعيفة، وثوابتها مستقرة، والجميع مسؤول أمام القضاء في حال تجاوز هذه الثوابت.

مشكلة بعض المدافعين عن الوطن والثوابت أنهم غالباً ما يتصرفون بطريقة غير عقلانية وعاطفية، دون مراعاة حق الآخرين في التعبير عن توجهاتهم، فهم يميلون إلى رؤية العالم من منظور أبيض وأسود، حيث يتم تلقائياً تصنيف أي شخص يختلف معهم على أنه عدو للدولة وثوابتها ودستورها، وهذا التوجه لا يؤدي إلا إلى خلق توترات غير ضرورية، تضر بمفهوم التحديث السياسي وتوسيع المشاركة السياسية والحزبية.

تعزيز الحياة الحزبية في الأردن يتطلب مستوى من النضج والحكمة لفهم أن الجميع ليس معصوماً من الخطأ وأن هناك دائماً مجالاً للنقد والنقاش البناءين. كما يتطلب الاستعداد لتقبل الآخرين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الأيديولوجية، لإيجاد أرضية مشتركة للمساهمة في تطور الأردن وحماية مصالحه، بعيداً عن لغة التخوين.

أولى خطوات الحياة الحزبية هي الإيمان بأن هناك توجهات وآراء مختلفة، تطرح على الناس وهم يقررون ما يناسبهم، فمن مسؤوليتنا كمواطنين احترام الثوابت والتمسك بها،ولكن بطريقة عقلانية وبناءة، دون اللجوء إلى منع الآخر من التعبير عن رأيه بحجة الدفاع عن الوطن وثوابته.

نسبة الأردنيين الذين يفكرون في الانضمام للأحزاب 1% فقط، و4% سمعوا عن الأحزاب الجديدة و2% يتابعون نشاطات وفعاليات الأحزاب السياسية الأردنية، ومع كل هذه النسب التي تشير إلى أن الأحزاب فشلت حتى الآن في الترويج لأفكارها وتوجهاتها، ما زالت ذات الأحزاب منشغلة ببعضها البعض، فالكل يتهم الكل فالأحزاب الوسطية معلبة، فيما المدنية تهدم ثوابت الدولة، والإسلامية والقومية أجندات خارجية، فالكل يتهم الكل، دون أن تلتفت هذه الأحزاب إلى المعضلة الأهم وهي أنهم يتحدثون مع أنفسهم، فلا قواعد جماهيرية لهم، وهذه ما تؤكده لغة الأرقام.

المشكلة غير المفهومة هي أن الاتهامات المتبادلة تأتي من الحزبيين الذين يفترض أنهم من المؤمنين بتعدد وجهات النظر وأكثر قابلية للانتقاد، إلا أن الواقع يقول إننا أمام ظاهرة يريد معها البعض أن يضفي حالة من القدسية على أفكاره ومعتقداته، ومَن يخالفها فهو ضد الثوابت الوطنية، فإذا كان هؤلاء من يقود حياتنا الحزبية، فكيف لنا أن نلوم الشباب في الجامعات والمدارس على تصرفاتهم وسلوكياتهم العدائية تجاه الآخر.

بالمحصلة على الجميع أن يدرك أن الاستقطاب والتموضع السلبي يعزز وجهات نظر متطرفة، تعزز حالة الكراهية والعنصرية ورفض الآخر، وكل ذلك أخطر على الدولة وأسسها من أي خطر خارجي، والحكيم من اتعظ.