جفرا نيوز -
جفرا نيوز - د. محمد أبو حمور
الظروف الاستثنائية والتحديات غير المسبوقة التي نشهدها اليوم تتطلب أكثر من أي وقت مضى الاستمرار في مواكبة التحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي والانتباه الى ما ينجم عن ذلك من تطورات في خريطة الاستثمارات وتوجهاتها، فاليوم كما هو واضح فان رفع نسب الفائدة والسياسات الانكماشية الهادفة الى مكافحة التضخم تؤدي الى تقليص الموارد المالية المتاحة للاستثمار ورفع كلفته ومخاوف من التباطؤ الاقتصادي، كما أن سياسة العقوبات الاقتصادية التي تلجأ لها الإدارة الامريكية أثرت على مستوى ثقة المستثمرين ومدى استعدادهم للاستمرار في شراء سندات وأذونات الخزينة الامريكية، خاصة اذا تراجعت وتيرة رفع الفائدة خلال الفترة القادمة، ومن جانب اخر تشير التوقعات الى أن قاطرة النمو في الاقتصاد العالمي ستقودها الصين والهند حيث سيشكل النمو في هذين الاقتصادين، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، نصف النمو العالمي، ومن الواضح أيضاً ان الصين أصبحت تبدي اهتماماً خاصة بمنطقة الخليج والشرق الاوسط، وهذا يشير الى اتجاه نمو حركة الاستثمارات خاصة اذا تم ابرام المزيد من اتفاقيات التجارة بالعملات المحلية وتطور الى حد المتاجرة بالنفط والغاز بعملات غير الدولار الأمريكي، وفي ضوء هذه التحولات ليس من المستبعد أن تسعى الصناديق الاستثمارية السيادية الى تنويع استثماراتها وتقليص اعتمادها على السوق الامريكية والبحث عن مجالات وأسواق جديدة تمكنها من تحقيق أهدافها الاستثمارية، لذلك لا بد لنا أن نكون على استعداد ودراية لجذب استثمارات نوعية تساهم في وضع الأردن على خارطة سلاسل الامداد الإقليمية والعالمية، وفي هذا السياق تؤثر التطورات التكنولوجية واتفاقيات الاستثمار الإقليمية والثنائية بشكل واضح على مسارات الاستثمار، وهنا لا بد من التنويه بان البلدان العربية لديها إمكانيات كامنة كبيرة لتطوير استثماراتها البينية التي ما زالت دون المستوى المأمول خاصة في ظل المخاوف التي طرأت مؤخراً نتيجة لتعثر بعض المصارف الامريكية والاوروبية.
وفي ظل هذه الظروف والتطورات التي يصعب التنبؤ بنتائجها واثارها المستقبلية، من المهم أن نعمل على تعزيز المنعة الاقتصادية والقدرة على مواجهة أي تحديات قد تواجه الاقتصاد الوطني حاضراً ومستقبلاً، ويصبح لزاماً علينا العمل على المسارات الأشد إلحاحاً والتي تؤدي دوراً أساسياً وفاعلاً في التأثير على التنمية الاقتصادية ومن أهمها الاستثمار باعتباره ركيزة لبناء الاقتصاد ومحركاً أساسياً في توليد فرص العمل والنهوض بالمجتمع وتحقيق طموحاته المعيشية والتنموية، ومن حسن الطالع أن لدينا رؤية التحديث الاقتصادي والتي تمثل منطلقاً لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وتفعيلاً للإمكانات الكامنة في الاقتصاد الوطني، وصولاً الى تحسين مستوى حياة المواطنين وتوليد فرص العمل، ويشكل الاستثمار احدى الركائز الأساسية لرؤية التحديث الاقتصادي، وقد شهدنا خلال الفترة الأخيرة عدداً من الإصلاحات الناظمة للاستثمار التي نأمل ان تساهم في تحسين البيئة الاستثمارية بما يؤدي لتحفيز الاستثمارات المحلية وجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية.
ولغايات وضع المملكة على خارطة الاستثمار العالمية كوجهة جاذبة للاستثمار والسعي الى الاستفادة من المتغيرات العالمية ومواكبتها لخدمة الاقتصاد الوطني، في عالم يشهد تنافساً كبيراً في جذب الاستثمارات وتوطينها، فلا مناص من استخدام قدراتنا وامكانياتنا البشرية والمادية في هذه الاتجاه، وأن ندرك بان الحكومة وأجهزتها التنفيذية قادرة على وضع التشريعات الملائمة والمحفزة للاستثمار والعمل على تحسين الإجراءات الإدارية وتعزيز الشفافية وسيادة القانون بما يحسن بيئة الاعمال، ولكن هذا لا يعني أن نتجاهل دور القطاع الخاص ليس فقط في تعزيز الاستثمار المحلي وتوسيعه بل أيضاً في المساعدة على جذب الاستثمارات الخارجية، مما يتطلب إعادة التفكير في استراتيجيات الاستثمار بحيث يمنح القطاع الخاص دوراً يمكنه من العمل في هذا الاطار بشراكة كاملة وتناغم مع القطاع العام، خاصة وان القطاع الخاص لديه العديد من المزايا التي قد لا تتوفر للقطاع العام بما فيها تلك المتعلقة بإدارة الاستثمارات وابرام الاتفاقيات وتسويق الفرص الاستثمارية عبر شبكة من العلاقات التجارية والشخصية، علماً بان هذه الشراكة المقترحة تستدعي قيام القطاع الخاص بتحسين أدائه ورفع انتاجيته وقدرته التنافسية والادراك بان كل تطور وازدهار اقتصادي ينعكس حتماً على كافة فئات المجتمع ويساهم في نهضته وازدهاره.