جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
طالما تعجبت من هذا الكائن الداجن: كيف لا يطير؟ ولديه جناحان قويان بريش كثيف. وطالما خمنت أن الجبن والخوف يمنعانه من التحليق. فحينما كنت أثير موجات الرعب في دجاجات جدتي رحمها الله، كانت تنقلب بصخب وضجيج إلى طيور تطير برشاقة من سور إلى سور، وكانها حمام نشيط.
ليس الفزع وحده ما يجعل دجاجنا يطير، وكأنه الشوحة أو النسر أو العقاب. بل يطير دجاجنا حينما نمنحه جناحين اثنين: الشره والجشع. هذان الجناحان ليسا كفيلين بتطيير الدجاج وأسعاره بلحظة فزع، بل يمكنهما أن يعصفا بأي شيء زاحف ويطيّرانه. هما كفيلان أن يرفعا سعر التراب، أو الماء، أو الخبز، أو الفقوس.
أول أمس اتصل بي قارئ عزيز وبادرني بعالي الصوت: وين فزعتك معنا؟ وين وقفتك مع الناس الغلبانه في رمضان؟ يا رجل مش معقول يرتفع سعر الدجاج نصف دينار للكيلو برمشه عين. وين راحوا النشامى وين؟. وبعد أن امتصصت غضب محدثي سألته بمواربة عن عدد الدجاجات التي اشتراها. فأجابني بخجل: عشرة جاجات (دبيناهن بفريزر الثلاجة). فقلت: أنت يا عم رفعت السعر دون أن تعلم.
منطقيا ينبغي للأسعار أن تهبط درجات في رمضان، وعلى الشره و(كبرة البطن) أن يضمحلا فيه. وواقعيا نرى رمضان ينقلب عاماً إثر عام إلى شهر للشره، والتسوق، والتسابق إلى عروض المولات، فنوفر بيئة رفع مناسبة للتجار.
قبل رمضان بيوم حدث ما يشبه الحرب الخاطفة على الدجاج، فقد توالت الغارات على مراكز البيع و(النتافات). الكل يشتري أكثر من حاجته المعتادة بحجة ملء ثلاجته، على اعتبار أن المجاعة تطرق الأبواب. هذا الشره كان جناحاً قابله الجشع كجناح آخر من قبل التجار، فطار الدجاج بسعره. السوق عرض وطلب. وشراهة وجشع.
لا توجد لدينا ثقافة استهلاكية صحيحة. فقلوبنا كمستهلكين شتى متفرقة، قلما ننجح بكسر شوكة الجشعين، بل شرهنا وفجعتنا كثيرا ما يمنحا التجار الجشعين مبررا للعب بنا، وبأسعار سلعنا الأساسية وتطيرها بفزع.
نحن لا نتخذ سياسة (أرخصوه). أي اتركوا السلعة التي يرتفع سعرها، حتى يعود إلى أقل من وضعه الطبيعي ويهبط، بل نفزع ونغير على السلعة، التي تحاول الطيران، فنمنحها جناحاً مريشاً، كما فعلنا بالدجاج.
نحتاج إلى فكرة إرخاص الأشياء بالإستغناء عنها، ولو لحين يسير. وهنا يأتي دور جمعيات حماية المستهلك. التي نفتقرها في بلادنا، رغم إصابتنا المزمنة بمرض ارتفاع الأسعار. نريد جمعيات حماية مستهلك حقيقية تنبثق من الناس، تعمل على بث الثقافة الإستهلاكية الصحيحة وتتدخل بحمايتنا من غيلان الأسواق.