جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - بشار جرار
لا أذكر في حياتي ولا في مرويّات والديّ، أن المآدب الرمضانية أقيمت -خاصة المقامة للضيوف- في غير وقت الإفطار مع أذان المغرب. اللهم سوى بعض التفاوتات هنا وهناك، بحسب مدى فهم أو تقيّد بعض أقاربنا وجيراننا، فيما إن كانت صلاة المغرب تقام في المسجد القريب أم في البيت، بما يحقق شروط الجماعة، أو إن كانت وجبة الإفطار بمجرد ما يضرب «المدفع»
ويرفع الأذان، أم بعد إقامة صلاتي المغرب، فرضا وسنّة.
لكن بعض المعارف الذين نشأوا بضيافة السعودية الشقيقة، حاولوا مرارا إقناعنا بضرورة تعديل روتين الإفطار بحيث تكون الوجبة الرئيسية في ساعة متأخرة من الليل، أو في الساعة الأخيرة السابقة لانتهاء فرصة السحور، قبل رفع آذان الفجر وتبيّن «الخيط الأبيض من الخيط الأسود».
في كلّ خير، ما دامت الغاية التقرّب إلى ربّ العالمين، وتحقيق حكمته فيما أعطانا من هبات ومكرمات في فريضتي الصلاة والصيام. ومن هذين الركنين المتينين من أركان الإسلام الخمسة، أطرح اقتراحا قد يبدو للبعض «بدعة»، أو لعلي استوخي المزيد من الحذر مكتفيا بطرح مجرد تساؤل بانتظار فتوى أهل العلم «الشرعي» وذوي الاختصاص «الصحي والاقتصادي والاجتماعي»:
ماذا لو استبدلنا -ولو مرة أسبوعيا، كأن يكون كل خميس- استبدلنا توقيت ما بعد المغرب بما قبل الفجر.. بمعنى إقامة الدعوات الرمضانية على الأقل للدائرة الأقرب من الأقارب والأصدقاء والجيران والزملاء في وقت السحور لا الفطور. لعل البداية العملية تكون مع الجار. فالجار القريب أقرب أحيانا من الأخ البعيد، وفي بعض الحالات المؤسفة أقرب دائما..
الناس في حال الأخذ بهذه الفكرة، لن تتحرّج من طبيعة وحجم ما يولم المعزّب. كما أنها تخفف من الضغط على المواصلات والمرافق العامة والأسواق الشعبية والمولات وأماكن التنزه، خاصة تلك الخطرة على جوانب الطرق السريعة.
الأهم والأبقى في هذا الاقتراح هي تلك الحالة الروحية والنفسية العالية التي ستتيح للداعين والمدعوين فرص تجاذب أطراف الحديث، فيما يعنيهم في الصميم، في قضاياهم الخاصة الفردية والعائلية، فتناول الطعام يمضي لكن ما يبقى هي تلك الحميمية في الحديث من القلب إلى القلب بين من يفترض ألا تكون بينهم لا «رسميات» ولا تكلّفا تفرضه العلاقات المفروضة بحكم العمل أو المصلحة!
فلا تكون «لمّة العيلة أو الجيرة» محصورة بحديث في السياسة لدى الرجال،فيما يكون الشغل الشاغل للأمهات قضايا أكثر واقعية وقربا من الأسرة..أما الأطفال فيعلم الله ما هم عاكفون عليه على منصات وتطبيقات «السداح مداح»!
رمضان الفضيل، الفطر السعيد والفصح المجيد، كل الأعياد موحشة في واشنطن وسائر أماكن المهجر.موحشة قاسية فوق التصور، ولا تتراجع مع تقادم الزمن، بل تتفاقم.. من أجمل ذكرياتي ولم أكن حينها أعرف الصوم، ساعة السحور في رمضان حلت بركاته صيفا، جمعتني بوالديّ وبأختي الوحيدة هناك على شرفة ذات إطلالة ولا أبهى، هناك في جبل الحسين بعمّان الحبيبة.. اللهم لا تحرمنا زادك ولا زوّادتك، فالدرب طويل وعر، وعبدك ابن أمتك وعبدك، حافي القدمين..