النسخة الكاملة

المئذنة والمعركة وصدى الزغاريد

الخميس-2023-03-23 09:47 am
جفرا نيوز - جفرا نيوز 

رمزي الغزوي 

أول أمس كان ذكرى عريس امتزجت فيه قبلتان. قبلةٌ يتركها جنديٌّ على يد أمه حين يهرعُ للمعسكر قرب الحدود، وقبلةٌ تطبعُها الأمُ على جبينِ الشهيدِ، حين يُزف محفوفاً بالزغاريد. فهكذا نحن قوم يودِّعونَ شهداءهم بالزغاريد وبوعدِ الوفاء وعهدِ البقاء على قيد العزم والفداء.

كان يوما محتشدا حاشداً امتزج فيه بوحُ القصيدة بباكورة الربيعِ، وعبق الأمهات الخالد منذ تراب آدم الأول. هو يومٌ تماهى فيه الدحنونُ بدماء شهداء معركة الكرامة وهم يسجلون في صفحات المجد سفرَ بطولة وخلودا.
عندما يختلط نوار اللوز بعبق الشعر لا بد ويكون لدينا بوح حاشد ماجد. وحين تلتقي الأم بزغرودة النصر وكرامة الحياة ونيروزها سيضيق اليوم حتى لو كان شهرا جامعاً.

في الشارع الرئيس لبلدة الكرامة الوادعة الصغيرة في الأغوار ثمة مئذنةٌ تشمخُ نبراساً يهدي العابرين والمحبين لأوطانهم، على تلك المئذنة ما زالت بصمات الرصاص شاهدة على ذكرى ذلك اليوم الأغر عندما تصدينا لقوى العدوان الإسرائيلي الغاشم، ورددناه خاسرا يجرُّ أذيال خيبته.

المئذنة والمعركة والدحنون وصدى الزغاريد وهمهمة البارود في الوغى، كلها ستبقى شواهدَ أننا كسرنا أفقَ توقع العالم، من أن جيش العدو جيش لا يُقهر، ولكننا قهرناه وهزمناه في ذلك النهار وسطّرنا قصيدة الكرامة أغنية ندية شجية في فم الزمان.
وبالقرب من بلدة الكرامة ما زال شجر الدفلى على النهر يغني، ونغني معه، ونزهر زهراً يميس مع خفقاته، لكننا إن جد الجدُ، وحان الحينُ نصير مثل الدفلى علقاّ، لا حيَّ يقدرُ أن يذوقنا أو يلوكنا أو يختبر بأسنا وقوة سطوتنا. وما زال بالقرب من النهر نصب الجندي المجهول يحمل بندقيته ويشير بيده إلى أرضِنا العزيزة غربَ النهر.

كان يوم عزٍّ سجّلنا فيه ملحمة ستبقى ذاكرة للسؤدد حين جرّعنا عدواً لا يعرف إلا القوة معنى ولغة، جرعناه درساً لن ينساه. فنحن أصحاب حق وأرض ورسالة، والجمر وإن علاه بعض الرماد سيتقد ولو بعد حين. فنحن متقدون نارا في وجه من يفكر في اختبار لذعة حريقنا.