د. ليث كمال نصراوين
أصدرت محكمة التمييز الموقرة قبل أيام حكمها في الطعن المقدم إليها حول صحة عضوية أحد أعضاء مجلس النواب الحالي. ففي ضوء صدور القرار بفصل النائب أحمد عناد الفايز، تم إشغال المقعد النيابي من المترشحة فليحة الخضير التي كانت تليه في القائمة الانتخابية من حيث عدد الأصوات عن دائرة بدو الوسط.
وقد جرى تقديم طعن بعدم صحة عضوية النائب الخضير إلى محكمة التمييز التي ردت الطعن شكلا، وذلك في قرارها القضائي الأول الذي يصدر عنها بعد نفاذ التعديلات الدستورية لعام 2022، والتي بموجبها جرى تعديل المادة (71) من الدستور ونقل الاختصاص في الفصل في الطعون المقدمة بصحة نيابة أعضاء مجلس النواب من محكمة الاستئناف إلى محكمة التمييز.
وقد كانت مبررات هذا التعديل الدستوري مرتبطة بطبيعة الطعون المقدمة وأهميتها من حيث ارتباطها بصحة العضوية في السلطة التشريعية. فقد هدف المشرع الدستوري من نقل جهة الاختصاص إلى توحيد الاجتهادات القضائية المتعلقة بالفصل في صحة العضوية وحصرها في أعلى جهة قضائية في النظام القانوني الأردني، وذلك بعد أن كان هذا الدور مسندا لمحكمة الاستئناف بمراكزها الثلاثة في عمان وإربد ومعان.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الاختصاص بالفصل في صحة العضوية كان مقررا في الدستور الأردني بحلته الأصلية لعام 1952 إلى مجلس النواب نفسه، الذي كان يمثل الخصم والحكم في النظر في الطعون المقدمة بصحة العضوية، قبل أن ينتقل الاختصاص القضائي في هذه الدعاوى إلى محكمة الاستئناف في عام 2011 ليستقر اليوم أمام محكمة التمييز.
وبالعودة إلى القرار القضائي الأول الذي أصدرته محكمة التمييز، نجد بأنه قد اختلف من حيث التسبيب والتعليل عن القرارات الأخرى، حيث أظهر القضاة الأجلاء أعضاء المحكمة قدراتهم القانونية والفقهية لتكريس مبادئ قضائية هامة سيتم الاسترشاد بها في أي عملية انتخابية قادمة.
فمن أبرز القواعد التي أرستها محكمة التمييز الموقرة في مجال الطعون الانتخابية، أنها قد حددت نطاق الرقابة على صحة نيابة أعضاء مجلس النواب، وقصرت حدودها على فحص الوضع القانوني للنائب منذ قبول طلب ترشيحه وحتى إعلان نتيجة الانتخاب النهائية. فإن ثبت قانونية هذه الأمور الإجرائية تكون العضوية النيابية صحيحة، وإن كان هناك عيوبا أو نقصا في العملية الانتخابية تكون العضوية باطلة.
وقد استرشدت محكمة التمييز الموقرة بأحكام المادة (71) من الدستور لتحدد اختصاصها القضائي في إبطال عضوية أعضاء مجلس النواب والتي ترتبط بشروط العضوية وصحة الإجراءات، ولا تمتد إلى خارج هذا الإطار القانوني. وعليه، لم تُقم محكمة التمييز الموقرة أي وزن للاتفاق الذي تمسك به الطاعن بأنه قد تم إبرامه بين المترشحين في القائمة الانتخابية في عام 2020، والذي يقضي بتداول إشغال المقعد النيابي فيما بينهم وفق نظام الدور، وبأن هذا الاتفاق كان مشفوعا بيمين على كتاب الله بتنفيذ بنوده سرا وعلانية.
وقد جاء رد محكمة التمييز الموقرة بالقول "إن التحقق من صحة عضوية أعضاء المجالس النيابية وفق أحكام الدستور يتم استنادا لأمرين اثنين هما؛ النظر في أهلية العضو للنيابة ومدى توافر الشروط والصفات التي تطلبها القانون، والنظر في صحة إجراءات العملية الانتخابية وصحة نتائجها المعلنة".
ومن المبادئ القضائية الأخرى التي أكدت عليها محكمة التمييز الموقرة في قرارها الأول الصادر عنها، أنها قد وضعت معيارا للممايزة بين إبطال العضوية النيابية وإسقاطها، حيث اعتبرت أن إبطال العضوية لنائب مجلس النواب يقصد به انتفاء شروط صحتها، وتكون متربطة بأحداث جرت قبل اكتساب النائب للعضوية النيابية. أما اسقاط العضوية، فتعني أن النائب قد تمتع بالعضوية بصفة نهائية وفق صحيح القانون، إلا أن طارئا قد طرأ بعد انتخابه أدى إلى سقوط عضويته التي كانت صحيحة عند انتخابه.
كما حسمت محكمة التمييز الموقرة الجدل القانوني والفقهي الذي دار عقب إعلان شغور المقعد النيابي بالفصل، والذي تمحور حول تطبيق قانون الانتخاب الملغي لعام 2016 الذي تم في ظله انتخاب المجلس الحالي، أم قانون الانتخاب الجديد لعام 2022 الذي بصدوره تقرر إلغاء قانون الانتخاب السابق.
فجاء الحكم القضائي بالإشارة إلى قانون الانتخاب السابق لعام 2016، على اعتبار أنه التشريع الذي تم بموجبه إجراء الانتخابات النيابية الأخيرة، والذي تم قبول طلبات الترشيح وإجراء عمليتي التصويت والفرز بالاستناد إلى نصوصه وأحكامه.
بالتالي، من الطبيعي أن يكون هو التشريع الواجب التطبيق على شغور أي مقعد في مجلس النواب الحالي حتى ولو كان قد جرى إلغاؤه، خاصة وأن قانون الانتخاب الجديد يختلف عن سابقه من حيث شروط العضوية وسن النائب الذي جرى تخفيضه إلى خمسة وعشرين سنة، وتقريره لنظامين انتخابيين مختلفين يتمثلان في القائمة المحلية المفتوحة على مستوى المحافظة، والقائمة الحزبية المغلقة على مستوى الوطن.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية