النسخة الكاملة

النمر تكتب : من هو المسؤول عن الزلزال المحتمل القادم ؟

الخميس-2023-03-01 10:35 am
جفرا نيوز -
  وضع الحكومة الأردنية أمام مسؤولياتها وتحديدها أمام الرأي العام وضرورة التحرك استباقيا قبل الكارثة المحتملة عبر مشروع وطني عاجل تجمع  فيه الحكومة كافة الأطراف 
  
جفرا نيوز - كتبت رانيا عثمان النمر 

    قامت الدولة الأردنية على فكرة الإنسان فيها، ومن هذا المنطلق كان الشعار " الإنسان أغلى ما نملك "  والذي أطلقه الملك الراحل  الحسين بن طلال، أساسا معنويا لفهم وبناء مفاهيم الدولة الأردنية لكن تحول الشعار إلى دعابة ومدعاة للتندر لدي عموم الشعب الأردني للتعبير عن واقع الحال المر، وعلى كافة الصعد التي يشتبك معها  ويعيشها المواطن الأردني خاصة قي الملفات  الخدمية منها مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.

التجليات في ذلك كثيرة ومتراكمة لكن أحدثها وربما أخطرها كان في سياق الرعب الذي عاشته منطقة الشرق الأوسط ولا تزال تعيشه في تداعيات الزلزال التركي الأخير الذي  وصل إلى الجارة الشمالية سوريا.
قبل أيام تم إقرا الموازنة العامة ، الأمرغير المفاجئ يأتي ضمن السياق العام ومنذ عقود في نفس النهج الإداري والمالي المتراجع  بالتزامن مع غياب الرقابة الفعلية وأدواتها المعروفة عالميا.
عوار الميزانية هو عوار إدارة القطاع العام المالي والإداري بحد ذاته، بحيث لايخفى على أحد تشوهاتها الأساسية وهي: أن جل الروافد المالية هي ضرائب ورسوم  بدون خدمات إضافية وبدون أساس تشريعي، ناهيك عن كثرة الهيئات المستقلة إلى جانب الوزارات وكليهما يقوم بنفس المهام،  ثم الهدر المذهل بالمال العام، بالتوازي مع الترهل الإداري واعتماد سياسة " التوظيف مقابل الولاء" في فترة ما، الذي أصاب الوزارات المؤسسات والدوائر بتخمة، لا بل جنون التوسع في القطاع العام  وما يترتب عليه من مصاريف تشغيلية و فاتورة رواتب مدنية وعسكرية وأمنية على حساب الإنجازات وتنفيذ المشاريع الإقتصادية والتنموية. وفوقها غياب معايير الشفافية والنزاهة والمحاسبة حسب المؤشرات الدولية والتي تشير إلى تراجع مكانة الأردن في معظمها.
هذه التركيبة بهيئاتها ومؤسساتها ودوائرها وإداراتها وميزانيتاها المفروضة علينا، حتما عليها أن تقوم بواجباتها، ويجب أن توضع أمام مسؤولياتها وأمام الرأي العام  ليتحملوا مسؤوليتهم التاريخية عن حماية الجميع  وأمنه على أرض الدولة الأردنية في حالات الكوارث والزلازل. وسنؤشر على اهم الوزارات والهيئات والمراكز التي يجب ان تتحرك فورا واستباقيا، وتؤسس لمشروع وطني عاجل وسهل التنفيذ إذا توفرت الإرادة السياسية  وهو هدف هذا المقال.
بداية مسؤولية أمانة عمان الكبرى : 
بعد مراجعة الاستراتيجية الأخيرة للأمانة عبر 261 صفحة (المتوفرة ضمن المصادر المفتوحة على شبكة الإنترنت) يذهل الباحث من حجم المهام الإشرافية والرقابية والمسؤوليات من خلال مديرياتها ودوائرها، بحيث أن كل ما يقع عليه نظرك في عمان (مباني وطرق وأرصفة ومطاعم ومحلات وجسور وأنفاق وأبراج ومجمعات وحدائق وأدراج وجدران استنادية وشجر وحجرومساحات فارغة وبنية تحتية) هي مسؤولية أمانة عمان الكبرى الرقابية والإشرافية والتنظيمية، وصيانة البنية التحتية وتطبيق معاييرضبط الجودة على المشاريع والمباني التابعة لها،  معظم المهام المفصلة في الوثيقة "غير المطبقة في معظمها " والتي تتقاطع مع وزارات أهمها  وزارة الأشغال.  
جل ما يطبق منها هو الجزء الجبائي الخاص بدفع رسوم وضرائب فلكية يعلمها كل مواطن أردني، لكن لا يعلم أين تذهب وكيف تعود عليه كخدمة!! 
من هنا وعلى سبيل تحديد مسؤولية أمانة عمان الرقابية وعلاقتها بموضوع الزلازل، أقتبس المهام الواردة  في صفحة 33 دائرة التراخيص " تتولى المديرية تقديم الخدمات والواجبات التالية : 
الأشراف على اصدار التراخيص الإنشائية ضمن حدود أمانة عمان الكبرى وضمان الإلتزام بالتشريعات الناظمة لها"  انتهى الأقتباس،  وعليه فإن المسؤولية الرقابية وضمان الإلتزام بالتشريعات الناظمة ومنها الرقابة على تطبيق كود الزلازل وكافة التشريعات الصادرة من مجلس البناء الوطني التابع لوزارة الأشغال هي مسؤولية أمانة عمان. علما أن نقابة المهندسين أصدرت قرار الإجبارية في العام 1997 دون صدور كود زلزالي، وكانت تعتمد على الكود العربي بناء على التعليمات في ذلك الوقت، لكن الكود الأردني صدر في العام 2005.

وفي نفس الوثيقة صفحة 38  فيما يخص البنية التحتية من جسور وأنفاق ضمن دائرة الإنشاءات، ودائرة التنفيذ، ودائرة التنسيق والمتابعة، اقتبس المهام التالية: 
" *هدم الأبنية والمنشآت المستملكة والأبنية المخالفة وفق القوانين والأنظمة والتعليمات بالتنسيق مع المناطق المعنية ودائرة رقابة الإعمار.
  * إصدار وتجديد التصاريح للمقاولين من أجل تنفيذ وخدمة المواطنين في توصيل الخدمات حسب الأصول ومتابعة وضبط اعمال مقاولي حفريات البنية التحتية.
 * التنسيق مع الدوائر المعنية بالمساعدة في ضبط أعمال مقاولي البنيه التحتيه وذلك من خلال ارسال نسخه من التصريح. 
*خدمة أعمال الطوارئ والتنسيق الدائم مع المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات بهدف ضمان اخذ الإحتياطات المناسبة في حال حدوث أزمة." انتهى الإقتباس 

وعليه وحسب الإقتباس أعلاه فإن مسألة تحديد البؤر الساخنة في عمان للمباني الآيلة للسقوط  وهدمها وإزالتها حفاظا على أرواح الأردنين هي مسؤولية أمانة عمان  بموجب مهامها  والصلاحياتها  الواسعة ووزارة الأشغال كجهتين حكومية، وقد ظهرت وثائق مقدمة من نقابة المهندسين عبر كتب رسمية ( عقب حادثة مبنى اللويبدة) منذ عام 2016  تطالب الأمانة بالإجتماع مع الأطراف المعنية من وزارات وقطاع خاص لكهنا وضعته بالإدراج .  
إضافة إلى أن كل ما يخص الرقابة على المقاولين وأعمالهم الإنشائية  في عمان الكبرى هي مسؤولية أمانة عمان المباشرة بحسب النقاط الواردة أعلاة ( حسب الوثيقة)

ثانيا مسؤولية وزارة الأشغال العامة والإسكان: 
تعتبر وزارة الأشغال والإسكان من الوزارات الأساسية المعنية في موضوع سلامة المباني والطرق ومعايير ضبط الجودة وتطبيقاتها والصيانة الدورية خاصة المباني الحكومية والمباني المستاجرة التابعة للدولة، كالمدارس والمساجد على سبيل المثال وهي ذراع أساسي في عملية إدارة المخاطر ومن ضمنها الزلازل ويستدل عل ذلك من خلال الإطار القانوني للوزارة بشقيه
أ‌)التشريعات الأساسية والمؤسسة للوزارة والناظمة لعملها منها :  
قانون الطرق رقم 24 لسنة 1986 وتعديلاته.
 نظام الأبنية الحكومية رقم 64 لسنة 2007وتعديلاته.
 نظام الطرق النافذة رقم 82لسنة 2001.
 نظام توكيد الجودة للمباني رقم 62 لسنة 2010.

ب )  التشريعات المعمول بها في الوزارة ومنها:
قانون  لنقابة المهندسين الأردنيين رقم 15لسنة1972 وتعديلاته. 
قانون مقاولي الإنشاءات الأردنيين رقم 13 لسنة1987. 
قانون البناء الوطني رقم 7لسنة1993 .  
ونظام الأشغال الحكومية رقم 71 لسنة 1986.

هذه القوانين  والأنظمة و بنودهما  التفصيلية، والمتاحة على صفحة الوزارة الرسمي على الإنترنت تضع الوزارة وشركائها المنصوص عليهم بحكم الأنظمة والقوانين أعلاه أمام مسؤولياتهم بسرعة الإستجابة لإدارة مخاطر الزلازل.
الهدف من استعراض القوانين والأنظمة هنا هو توثيق مهامهم، لأن معظم الرسميين يركنون إلى عدم دراية المواطن البسيط، ويستسهلون فكرة التنصل من المسؤولية أو تراشق الإتهامات بين الوزارات والأمثلة عديدة. وللأسف تساعدهم بعض المنابر الإعلامية على التضليل.   
   
مسؤولية المركز الوطني للأمن وأدارة  الأزمات: 
لا يخفى على الأردنيين أهمية ووزن المركز الوطني للأمن وأدارة الأزمات، ولا يخفى على صناع القرار ثقله، كما ويتمتع المركز بثقة الشعب إلى حد كبير،  ليس بسبب ثقة المواطن الأردني  بحكوماته  (  وهي ضعيفة  بحسب دراسة منشورة من  مركز الدراسات الأستراتيجية ) ولكن بسبب ثقة الشعب وحبه المطمئن للأجهزة الأمنية ومؤسسة الجيش، والتي وبحسب نظام المركز الوطني للامن وإدارة الأزمات رقم 20لسنة 2015 يشكل جزءا من أعضاء مجلس الإدارة،  إلى جانب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزيرالداخلية ووزير الدولة لشؤون الإعلام أو الوزير الذي يسميه رئيس الوزراء.
يعرف نظام المركز الوطني للأمن وأدارة الأزمات،  الأزمات أنها:
"الكوارث الطبيعية أو الأحداث التي تهدد الأمن الوطني كالاضطرابات والفتن الداخلية أو التي تحدث خسائر كبيرة في الأرواح والمرافق العامة والممتلكات أو التي لها آثار سلبية على الاقتصاد الوطني والرفاه الاجتماعي أو على سلامة البيئة والصحة العامة التي قد تتعرض لها المملكة أو تلك التي يقرر رئيس الوزراء بناء على تنسيب المجلس اعتبارها أزمة ".
تنص المادة 4 من نظام المركز على أهداف المركز وصلاحياته أقتبس منها: 
أ‌. يهدف المركز إلى تحقيق التكامل والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية على المستوى الوطني في مواجهة الأزمات لخلق بيئة وطنية آمنة ومستقرة. 
ب‌. يتولى المركز في سبيل تحقيق أهدافه المهام والصلاحيات منها:
* تعزيز فرص التنبؤ المبكر بالأزمات من خلال بناء قاعدة بيانات ومعلومات وطنية شاملة تتطلبها طبيعة عمل المركز ومهامه .
* تمكين أصحاب القرار على مختلف المستويات من اتخاذ قرارات مدروسة مبنية على معلومات دقيقة وقتية وذات علاقة .
* تقديم التوصيات اللازمة حول السياسات والإجراءات المتعلقة بإدارة الأزمات التي يجب تطبيقها على المستوى الوطني .
* تطوير البرامج المتعلقة ببناء القدرات الوطنية لمواجهة مختلف أنواع الأزمات وبالتنسيق مع القطاعين العام والخاص.
* تقييم قدرة البنى التحتية الحيوية في مواجهة المخاطر المختلفة، ومتابعة خطط الطوارئ المتعلقة بها مع الجهات ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص .
* المساهمة في التخطيط وتنفيذ التدريب المتعلق بإدارة الأزمات على المستوى الوطني.

أول خطوة للمشروع الوطني لأدارة مخاطر الزلازل في الأردن، هو ان تتحرك لا بل وتنتفض الجهات الحكومية أعلاه وتجتمع وتبدأ العمل وتعلن عنه، عندها وعندها فقط سيشعر المواطن الأردني بأهميته  ودور دولته في حمايته،  سيلتقط اللحظة وسينشأ بالضرورة في الدولة الأردنية وعلى مستوى وطني شامل Think Tank  خزان أفكار، بعلمائه وخبرائه ومنظماته الأهلية ورجال أعماله وقطاعه الخاص وطلابه ومغتربيه،  وسيساهم ويشارك ويذلل العقبات حتى المالية منها  ويبذل الغالي والنفيس " ولو بشق تمرة" فقط عندما يشعر أنه جزء من مشروع وطني له ولأولاده يحمي أرواحهم وممتلكاتهم ويصون كرامتهم.
حينها يعود مفهوم "الإنسان أغلى ما نملك" كعنوان حقيقي وجاد  بحيث يكون مجرد فكرة التندر عليه مدعاة للإحتجاج.