عوض ضيف الله الملاحمة
هذا هو ديدن الدنيا وطبيعتها ، تتوافق المتطابقات حتى لو كانت موبقات . فالشر ، والشرارة تستدعي حدوث النيران والحرائق البسيطة والعظيمة . وكلمة سيئة قد تودي بصاحبها الى نار جهنم يهوي بها سبعين ذراعاً ، وربما تُحدث شجاراً تسيل فيه دماء ، وتطيح به رؤوس . وكلمة طيبة ، قد تُليِّن القلوب ، وترسي دعائم المحبة واللّين واللّطف . وخدشٌ بسيط في حبة تُفاح ، تُفسد أطناناً منه ، وتحوِّل طعمه الزكيّ الى مرارة قاتلة ، وعِطره الفواح ، يتحول الى رائحة نتنة تزكم الأنوف .
وكذلك سلوكيات البشر ، فإذا سقطت قيمهم ، وذهبت ريحهم ، تحولوا الى مجرمين ، قتله ، سفاكي دماء ، وفاسدين نتنين ، لا يُحللون ولا يُحرمون ويستبيحون مقدرات الأوطان و (( يلهفون )) الأخضر واليابس . كما تنهار الأنظمة ، ويتلذذون بتجاوز القوانين ، ويتفاخرون بأنهم فوق كل الأنظمة والقوانين ، ويصبحون ميكافيللين ، الغاية عندهم تبرر الوسيلة ، ولا يترددون في الإطاحة بكل القيم ليتحصلوا على ما يريدون ، فتنهار أوطان كانت عزيزة ، وتتحول الى منبع للخراب ، ومرتع للغُراب . عندها ماذا ترتجي من فاسدٍ ساقط القيم ، وضيع الطِباع !؟
بلدي ، وطني حبيبي ، كان — نَعم كان — دانةً بين أقرانه من الأقطار العربية ، وكان مِثالاً يُحتذى بكل الصفات الرفيعة ، وكان الأردنيون مصدر إشعاع لكل إنجاز ، ونُبلٍ ، وتميز ، ورجولة .
نعم كان وطني الحبيب يرتقي بإنجازات أبنائه وعِفتهم ، وطُهر مسيرتهم ، وبُعدهم عن كل حرام ، وقُربهم من كل الخصال الحميدة على المستوى الشعبي والرسمي ، وحتى الفردي . حيث كان الأفراد يتنافسون بينهم ، من يكون أكثر نُبلاً ، وعطاء ، وإنجازاً ، وكرماً ، وتقمصاً لقيم الدّين ، حتى بين الذين لم يركعوا ركعة في حياتهم ، ولم يدخلوا مسجداً او كنيسة طيلة أعمارهم .
في هذا الزمن الرديء، إنحدر الوطن الذي كان عزيزاً مُهاباً الى دركٍ يصل حدّ الإنهيار . فعندما يعمّ الفساد ، ويتراجع إهتمام المسؤولين في شؤون الوطن تتعدد الكوارث ، صغيرها ، وكبيرها . فموازنة الوطن مُنهكة ، وعجزها يُقدر بخُمسها . مع انهم لجأوا لشطب الإنفاق الرأسمالي الذي يُحرك الإقتصاد ، ويخلق فرص العمل ، ويكتفون بسداد أجزاء بسيطة من ديون القطاع الخاص ، والمديونية وصلت الى (( ١١٢ ٪ )) من الناتج الوطني الإجمالي السنوي ، ويعجزون عن سداد فوائد القروض ، فيلجأون لمزيد من الإقتراض لسداد الفوائد فقط ، أما جِسم الدين ، فلا يُقلقهم تضاعفه . والبطالة يقولون انها (( ٢٥٪ )) ، وهي تتجاوز ال (( ٤٨٪ )) بين الشباب . وحتى الذين يجدون فرصة عمل فالراتب لا يسد الرمق .
وختموها بإنتشار الكلاب الضالة على شكل قُطعان ، ولهم رأس حربة ، ليقود هجومها على الأطفال والنساء وحتى الرجال . ومن يتمعن في الفيديوهات التي انتشرت ، لا يصدق انها كِلاب ، لأنها بشراستها تتخطى الذئاب . ففي أكثر من فيديو ، عندما يُمسك الكلب الضال بتلابيب شخصٍ ما ، يتجمهر عدداً من الشبان يضربونه بعنف شديد على رأسه ، وبدل ان يفك فريسته ويهرب ، فانه يغرز أنيابه أكثر ، ما هذا !؟
هل أمر التخلص من الكلاب الضالة أمر عسير يصعب على كل أجهزة الدولة ذات الصِلة !؟ إقتلوها ، سَمِّموها ، إحقنوها بعقاقير تؤدي الى العقم ، إقبضوا عليها وإعملوا على تصديرها لدول كثيرة تعشق لحومها . إفعلوا اي شيء لتُخلّصوا الناس من هذا الرعب ، الذين إنتشر في كل أحياء مدن وقرى المملكة . أم أن هناك عملية تسويق لحُقن داء الكلب الراكد سوقها ، ام إستجابة لأوامر غربية . لأن كل من ينهشه كلب ولو لم يكن مسعوراً يجب عليه تلقي أمصال ومطاعيم منها (( ١٤ )) إبرة في البطن ، ومن لم يُحقن بها في وقتها ، ولم يلتزم بتعاطيها ، فإنه معرض للإصابة بداء الكلب (( أي السُعار )) . ومن يُصاب بالسُعار اليكم الأعراض والنهاية :- [[ رجفة ، حُمى ، إحساس بالتعب الشديد ، فقدان الشهية ، عدم القدرة على النوم ، إضطرابات عصبية ونفسية ، صعوبة في البلع ، الخوف الشديد من الماء ، القلق الشديد والهيجان ، والتهاب دماغي وعصبي ، وتشنجات عصبية ، وزبد يخرج من الفم ، ثم الوفاة ]] . وللعلم فقد تعرض (( ٧,٠٠٠ )) أردني لعقر الكلاب الضالة ووفاتين ، في عام ٢٠٢٢ . وفي إربد لوحدها (( ١,٣٠٠ )) حالة عقر سنوياً ، نتيجة وجود (( ٧٠,٠٠٠ )) كلب ضال في إربد . ويكلف علاج مرضى داء الكلب او السعار ( ٥٠,٠٠٠ ) شهرياً في إربد ، اي ( ٦٠٠,٠٠٠ ) دينار سنوياً لمدينة إربد لوحدها !!؟؟
تصوروا ما تَحدّثت به مسؤولة على تلفزيون المملكة ، حيث قالت :- (( هناك نظام ABC : وهذا يعني : توفير قطع أراضي في كل مناطق بلديات المملكة ، وتحصينها ، وتقسيمها الى أقسام حسب فئات الكلاب ، وإنشاء عيادات بيطرية متخصصة ، وتعيين عمال لإلقاء القبض على الكلاب الضالة ، وتوفير ادوات خاصة تساعد على القاء القبض على الكلاب ، واجراء عمليات إستئصال للجهاز التناسلي للذكور والإناث ، والاشراف الطبي عليها لحين تعافيها ، وتلقيحها ضد داء الكلب او السعار وإعادتها الى الأماكن التي كانت فيها ، هذا عدا عن رواتب الأطباء البيطريين ، والعاملين ، وتوفير المكاتب ولوازمها ، وإطعام الكلاب .. الخ )) . اليست هذه مهزلة !؟ هل الدولة قادرة على كل هذه التكاليف التي تتجاوز عشرات الملايين سنوياً . لا بل هل الدولة توفر هكذا خدمات طبية وغذائية ومأوى للمواطنين !؟ ثم النتيجة إعادة الكلاب الضالة الى الأماكن التي كانت تتواجد فيها !؟ لتعود وتنهش الناس من جديد !؟ وكأنك يا أبو زيد ما غزيت !؟
أختم وأقول ، إن رضوخ بعض المسؤولين للتوقيع على هكذا إتفاقيات ، هي التي أدت الى إنتشار الكلاب الضالة . يا حكومة اذا كنتم لا تتجرأون على قتل الكلاب الضالة بسبب توقيعكم على معاهدات دولية تفرض عليكم مراعاة حقوق الحيوان ، لماذا لا تراعون الاتفاقيات الدولية التي تطالبكم بالمحافظة على حقوق الانسان وكرامته !؟