جفرا نيوز -
جفرا نيوز - نايف المصاروه
في ذكرى ميلاد الحبيب محمد رسول الحق وحبيب الحق عليه الصلاة والسلام، تكثر المواعظ وتقام الحفلات، وتضرب الدفوف وتصفق الكفوف، وتقام الولائم وتبسط المؤائد تعلوها أطعمة متنوعة وأشربة مختلفة، وتعزف ألحان وتغنى اناشيد.
لست من مؤيدي هذه البدعة لإستحداثها ، ولأن سلف الأمة ومن هم اقرب للعهد وخير القرون لم يفعلوها، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وكانوا اشد الناس تمسكا بهديه وإتباعا لسنته عليه السلام ،ومن يفعل ذلك أمره الى الله.
لكني أسأل.. ما هو المغزى من تكرار الإحتفال بذكرى المولد النبوي في كل عام؟
قد يقول قائل.. حتى نتذكره فنصلي عليه، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، فجوابي ايضا على ذلك، ينادي المنادي في كل يوم وليلة خمسة مرات قائلا :- أشهد ان لا إله إلا الله.... أشهد ان محمدا رسول الله، ألا تكفينا للنتذكر حقه علينا وندعو له بالوسيلة والفضيلة، بدلا من الإبتداع؟
وسؤالي أيضا.. ما هي الآثار التي تحققت من تلكم الاحتفالات منذ مئات السنين ؟
أليس هو بأبي وأمي صلى الله عليه وعلى آله، الذي ما ترك خيرا إلا ودل الأمة عليه، ولا شرا إلا حذر منه، وترك ميراثا عظيما للامة لتعمل به في كل شؤونها، السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والحكم والقضاء وغيرها، لو أخذت بعشره ما تراجعت ولا تقهقرت ولا تفرقت ولا ضعفت ولا تكالب عليها الأعداء.
ترى لو قدر الله تعالى وأذن له عليه الصلاة والسلام، أن يبعث حيا، ويطلع على واقع أمة العرب والإسلام اليوم، وما يجري فيها من سفه وتفه ، فإلى كم من قادتها وسادتها وساستها وعلماءها ومفكريها، سيقول، كما ورد في صحيح مسلم '' إنَّا وَاللَّهِ لا نُوَلِّي علَى هذا العَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عليه!
والى كم منهم سيقول كما روى البخاري '' ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة.
والى كم منهم سيقول عليه السلام '' اتَّقِ دَعوةَ المظلومِ؛ فإنَّهُ ليسَ بينَها وبينَ اللَّهِ حجابٌ''!
والى كم من العامة والخاصة سيقول عليه السلام ''
من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية''، أو قوله عليه السلام ''
سَتَكُونُ أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، فَما تَأْمُرُنا؟ قالَ: تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي علَيْكُم، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ.
وإلى كم من ابناء الأمة الذين اصبحوا معاول هدم في أيدي الأعداء سيقول '' لا يحل لرجل أن يروع مسلما''، أو لذلك المازح في أمر يسير، بعد أخفى نعل احدهم، فقال له عليه السلام '' فكيف بروعة المؤمن؟ فقال: يا رسول الله إنما صنعته لاعبا, فقال صلي الله عليه وسلم: فكيف بروعة المؤمن؟ قالها مرتين أو ثلاثا.
وقوله عليه الصلاة والسلام '' لا تروعوا المسلم; فإن روعة المسلم ظلم عظيم''.
'' ومن أخاف مؤمنا كان حقا على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة'' .
الإحتفال السنوي بالمولد النبوي، يجب أن يكون محطة للامة لتعيد كل حسابتها وفي كل شؤونها.
ومنطلقا للوحدة لا للفرقة، وللقوة لا للضعف، وللإعتماد على الذات لا على الإعتماد على الغير.
لدينا كعرب ومسلمين اكثر من نصف احتياطيات العالم من المصادر الطبيعية، كالحديد والرصاص والنفط والغاز والنحاس والذهب وغيرها.
ولدينا اكثر وأقوى الصناديق السيادية في العالم لو توحدت.
ولدينا اكثر المساحات الصالحة لإقامة المشاريع الزراعية،ولدينا تنوع مناخي يكمل بعضه بعضا، ولدينا عقول وقدرات وكفاءات في التدريب والمعرفة.
ومع ذلك فالعرب والمسلمين من اكثر دول وشعوب العالم استهلاكا واستيرادا لصناعات الغير!
والسؤال المهم.. أين خيرات الامة ومقدراتها بكل مسمياتها، واين مصارفها؟
ولماذا تعيش الامة تحت وطأة الديون بمئات المليارات لصناديق التمويل الأجنبي؟
أما علمنا... أنه في عرف الإستقلال والسيادة أن الدولة الدائنة هي صاحبة القرار؟
أما سألنا انفسنا لماذا تكثر الويلات في بلاد العرب والمسلمين، دون غيرهم، كالحروب وويلات القتل والتدمير والتهجير والطائفية المذهبية، والجهل والفقر؟
أما سألنا انفسنا لماذا يستضعف المسلمون في كل مكان؟
أمن قلة عدد؟
لا والله، ولكننا أصبحنا غثاء كغثاء السيل، أتدرون لماذا؟
إقرأوا الجواب في حديث من تحتفلون بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، قال :- '' يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها .
فقال قائلٌ : ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ ؟
قال : بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءُ السَّيلِ ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم ، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ .
فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ ! وما الوهْنُ ؟
قال : حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ.
تأملوا في معاني '' ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن.
وتأملوا المعاني في حب الدنيا وكراهية الموت!
ولأجل الدنيا وكراهية الموت تفرقت امتنا، وأصبحت قوميات ودويلات بعضها يكيد لبعض، واحتلت فلسطين ويعيش أهلها تحت ذل الإحتلال ويلات الشتات ، والأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين مغتصب ويتعرض يوميا للتدنيس، كما يتعرض لخطر الهدم والإزالة.
وتعرض المسلمون في ميانمار لأبشع انواع العذاب والتطهير العرفي ، وبنفس الحالة يعيش اشقاءنا في كشمير اليوم.
فماذا فعلنا.... او ماذا سنفعل؟
الإحتفال بذكرى المولد النبوي، يكون بمواكبة التقدم الفكري، الموافق للهدي النبوي والسير في ركب الأمم ومسابقتها في كل شؤونها، وإحتفالا بالقوة بكل مسمياتها لا بالضعف والوهن والذل.
نعم لصناعة كل وسائل التقدم والتكنولوجيا، من اعماق الارض الى عنان السماء، ولكن مع السجود للرب المعبود سبحانه وبحمده في اوقات الأمر بالسجود وجوبا وتطوعا.
الإحتفال بالمولد النبوي يكون بتوقير وإكرام اهل العلم الشرعي من العلماء، ورثة الأنبياء وحملة مصابيح الخير، لا بتغييبهم والتضييق عليهم وإشاعة الإفتراءات والكذب عنهم .
الإحتفال بالمولد النبوي يجب أن يكون احتفالا بالإتباع لا الإبتداع، وبالحب الحقيقي لصاحب الذكرى عليه الصلاة والسلام، والوقوف على سنته وإحياءها والدعوة إليها،
ولا ولن يكون بضرب الدفوف وصفق الكفوف وصناعة الأطعمة والحلوى.
اجعلوا من ذكرى المولد النبوي، محطة إلى العودة للإستمساك بالدين كله، لا بجزيئات منه توافق النفس، والهوى، وما عداها فكلا.
اجعلوا من ذكرى المولد النبوي محطة لتجذير أحكام الشرع والعمل بها، وإحياءا للسنن ، بذلك يتحقق معنى الوفاء وبذلك تكون الحياة ، وبذلك يتجلى معنى مفهوم الولاء والحب الحقيقي للنبي عليه الصلاة والسلام.
اللهم احينا على سنته، وتوفنا على ملته، وارزقنا شفاعته، واسقنا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا.