جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله
يتذكر الكثيرون منا ما نالته العديد من التنظيمات والمنظمات الفدائية الفلسطينيّة منذ أواخر الستينات وحتى بداية الثمانينات من الانتقادات الكثيرة والهجوم المتواصل من قبل جهات مختلفة بسبب تنظيمها البرامج والدورات التدريبية العسكريّة الموجهة للأشبال والأطفال والمراهقين الفلسطينيين الذين لا يزالون على مقاعد الدراسة وذلك في العي من المعسكرات والقواعد الفدائية في المخيمات وخارجها في الاردن ولبنان
ومن بينها مؤخرا ما شاهدناه في معسكرات ( طلائع التحرير ) في قطاع غزة حيث تجري مجموعات من الفتيان تدريبات جسدية عسكرية وأخرى على استخدام الأسلحة الرشاشة الخفيفة وغالبا ما كانت تترافق هذه البرامج والدورات التدريبية بهجوم شديد من وسائل اعلام عربية واسرائيلية باعتبار أن هذه الحركات الفلسطينيّة ( تستغل الأطفال ) وتحولهم عن دراستهم ومستقبلهم بإقحامهم في صراعات سياسية وخطابات تعبويه تحرضهم فيها على ارتكاب أعمال المقاومة والعنف منذ سن مبكرة كما ان فيها انتهاك واضح لحقوق الأطفال بحسب وجهة نظر هؤلاء المنتقدين
في المقابل فإن الجيش الإسرائيلي يعد ويمتلك عشرات البرامج والمخيمات والخطط المصممة خصيصا من أجل ترسيخ فكرة أن ( الجيش والحرب والعدو الفلسطيني والعربي ) هي مسلمة بديهية لدى كافة الأطفال في المجتمع الإسرائيلي والذي يدفعهم نحو العسكرة بشكل متواصل حيث يصل عدد قوات الجيش الاسرائيلي الى 718 الف جندي منهم 550 من قوات الاحتياط في مجتمع لا يتجاوز 8 مليون نسمة ويصل عدد من يصلحون للخدمة العسكرية (3) ملايين نسمة وبالتالي فإن تعداد الجيش بالنسبة إلى عدد السكّان يُقارب العشر وهي من أعلى النسب في العالم ( يحتل الجيش الإسرائيلي المرتبة رقم (15) بين أقوى جيوش العالم على قائمة تضم (133) دولة حول العالم ) وتصل ميزانية الجيش الإسرائيلي (15.5) مليار دولار.
ومن أجل الحفاظ على هذه النسبة الكبيرة من الانخراط في صفوف الجيش خاصة في ظل وجود محيط إقليمي معاد وظروف جيو استراتيجية فريدة من نوعها لهذا يستخدم الجيش الإسرائيلي شتى الوسائل ويخترق مختلف مناحي الحياة والمؤسسات المدنية لغايات تجنيد الشباب وتوظيف واستقطاب المواهب والكفاءات داخل صفوفه ووحداته القتاليّة المختلفة
لوحظ منذ نشأت الكيان الاسرائيلي تمدد اذرع الجيش الاسرائيلي وبشكل طاغي في الحكومات المتعاقبة وقد شغل العديد من الجنرالات السابقين بعض المواقع الوزارية والمسؤوليات المدنية بعد تقاعدهم بالإضافة إلى استمرار نفوذهم القويّ في الساحة الاقتصادية وبوجيهات سياسية وأمنية لتسهيل توغل رجالات المؤسسة العسكرية الاسرائيلية في كافة القطاعات وذلك لا يتوقف عند هذا الحد بل تصل أذرع الجيش إلى قاعات الدراسة والغرف الصفية بقصد تجنيد العناصر المستقبلية في صفوفه فضلا عن تدخله المباشر في اقرار وصياغة واعتماد المناهج الدراسية وحض المدرسين والاداريين على تشجيع الطلبة على الالتحاق بالجيش بحيث اصبحت ( قاعات الدراسة مكاتب تجنيد في أوقات الفراغ الاكاديمي )
الجيش الإسرائيلي يعمل وبشكل مستمر للحفاظ على الكتلة البشرية التي تخدم في مختلف وحداته القتاليّة من حيث الكم والنوع وتلعب المدارس والجامعات دورا محوريا في هذه الاستراتيجية باعتبارها مصادر طبيعية للتجنيد واكتشاف المواهب التي من شأنها إثراء صفوفه ولذلك فإن زيارات الجنرالات الإسرائيليين وكبار الضباط إلى المدارس والجامعات تتم بصورة دورية كما أن هنالك الكثير من الاتفاقيّات بين وزارة التعليم والجيش الإسرائيلي للتحكم في البرامج التعليمية وتشجيع الطلبة على الانضمام إلى الجيش وقد انتقد الكثير من الكتاب والتربويون الاسرائيليون ما سموه ( عسكَرَة قاعات الدراسة الإسرائيلية ) من خلال الحضور الكثيف للجيش الإسرائيلي في المنظومة التعليمية وبروز بصمات وحداته العسكريّة في المدارس وذلك من أجل استقطاب الطلاّب للانخراط في قواته المختلفة
قبل عدة سنوات صممت وزارة التعليم الاسرائيلية برنامجً يسمى ( الجيل التالي ) وهو مشروع مشترك بين ( جمعية إدارة الشباب ) التابعة لوزارة التعليم وبين الجيش الإسرائيلي والهدف منه هو تشجيع الشباب على الخدمة العسكرية في الوحدات العسكرية القتالية حيث يقابل ضباط متخصصون من مختلف قطاعات الجيش الإسرائيلي ذوي رتب عليا الطلاب في مدارس ويشاركوهم قصصهم الشخصية وامنياتهم وتطلعاتهم الخاصة ويرغبونهم في الالتحاق بالوحدات القتالية ويساعدونهم على اختيار الوحدات التي يفكرون في الانضمام إليها
العمليات التعبوية تتم وفقا لخطط عملية مدروسة حيث تستمر زيارات القادة العسكريين الإسرائيليين للمدارس بشكل منظم ولا تستثنى من ذلك أحد حتى كبار الجنرالات و ذلك بقصد تشجيع الطلبة على الالتحاق ببرنامج التجنيد الاجباري التي تعتمده إسرائيل والذي يستمر لمدة ثلاث سنوات حيث ترسل وزارة الدفاع حوالي 7 آلاف جندي إلى 450 مدرسة عليا لتعزيز وترسيخ رغبات المراهقين بالتجنيد في الجيش
يستعمل الجيش الإسرائيلي بهذا الخصوص اسلوب الحوافز المادية من أجل تشجيع المدارس على حض الطلبة للالتحاق بالجيش فمثلا ( في سنة 2009 دعت وزارة التعليم 600 من مديري المدارس ليستمعوا إلى محاضرة يلقيها الجنرال جابي أشكنازي رئيس الأركان حول الأهمية الاجتماعية للتجنيد الإجباري ) وفي شهر تشرين الثاني من عام 2012 أطلقت وزارة التعليم الإسرائيلية رزمة جديدة من الحوافز المالية للمدارس العليا تمثلت في تقديم مكافأة نسبية تدفع للمدرسين على أساس النسبة المئوية للطلاب الذين يؤدون خدمة عسكرية أو خدمة مدنية أو قومية ( مبدأ المكافآت النسبية هو جزء من مشروع إصلاح وقع عليه من قبل اتحاد مدرسي المدارس الثانوية الاسرائيلية ) لتشجيعهم للانخراط والمشاركة في الدورات وورش العمل والرحلات التي تقام على الطريقة العسكرية من حيث الاستعداد والتدريب والتوجيه بسبب الوضع الإقليمي المتوتّر في البلدان المحيطة بإسرائيل بالإضافة إلى الأوضاع السياسية المتعقدة في الداخل الإسرائيلي
الأذرع العسكريّة والمخابراتية تتسلل إلى قاعات الدراسة الإسرائيلية حتى انها تتدخل في المقررات التعليمية التي من المفترض أن تلتزم حصرا بالجانب العلمي حيث تفرض في المناهج ان يدرس الطلبة الإسرائيليّون ( اللغة العربية ) في مقررتهم الدراسية لكن الهدف من هذه المادّة الدراسية وأسلوب تصميم مقررها التعليمي من قبل ( الجيش والمخابرات ) هو أبعد من مجرد تعلم الطلاب لغة مختلفة ومستعملة في الداخل الإسرائيلي من طرف العرب بل إن البعد العسكري والمخابراتي هو المحدد الرئيس في تدريس هذه المادة للطلبة
المقرر الدراسي للغة العربية في المدارس الإسرائيليّة جرى تصميمه من طرف وحدة استخباراتية تابعة للجيش الإسرائيلي تدعى ( تلم ديزاين ) دور هذه الوحدة الاستخباراتية العسكرية الرئيسي هو التجسس على حياة الفلسطينيين من حيث ( جنسياتهم وشؤونهم المالية والصحية من أجل تجنيد المتعاونين المحتملين منهم وتأليب الفلسطينيين ضد بعضهم
كما ان الهدف من تعليم العربية في المدارس الإسرائيلية هو تكوين وتدريب واعداد الطلبة الاسرائيليون ليصبحوا مكونات مفيدة في المنظومة العسكرية كضباطً أذكياء وتأسيسهم بحيث لا يحملون أي مشاعر انسانية او تاريخية اتجاه هذه اللغة وذلك خشية ارتباطهم باللغة وإعجابهم بها وهو ما قد يؤدي إلى اعتبارهم الفلسطينيين أصدقاء محتملين بحيث يقيم الطلبة تعاون شخصي معهم ولذلك فإن اللغة العربيّة في المدارس الإسرائيلية لا تدرس من طرف أساتذة عرب
في الصفوف المتقدمة للغة العربية يتم التركيز في المقرر الدراسي على عمليات الاغتيال الناجحة التي نفذتها إسرائيل ضد أبرز وجوه المقاومة الفلسطينيّة والتي تعتبرها إسرائيل مدعاة للفخر من بينها درس حول اغتيال ( أبو جهاد ويحيى عياش وقائد حزب الله عباس موسوي ) وغيرهم إلى جانب تقديم دروس أخرى مفصلة عن خطر الأنفاق وقوة الضفادع البشرية والصواريخ والطائرات المسيرة وبهذا تعتبر المنظومة التعليمية والعسكرية في إسرائيل مسؤولتان بشكل واسع عن رسم الصورة السلبية لدى الطلبة عن الآخر ( أي الفلسطينيين بالتحديد) من أجل تحضير الأطفال الإسرائيليين للحروب المقبلة وتعبئتهم بالحقد والكراهية ورغبات القتل والانتقام واشاغة العداوة والاحقاد دون بيان الاسباب
وزارة التعليم الإسرائيلية تعتبر ورقة سياسية هامة تتصارع حولها مختلف الأحزاب اليمينية الاسرائيلية من أجل المناورات الانتخابية وقد اصبحت ملفات ( عسكرة وتديين المدارس ) بشكل ذات بعد اكبر باعتبارها قضايا ساخنة في إسرائيل ومن ابرز مظاهر العنصرية ضد العرب في التعليم الإسرائيلي القاعدة السلوكية الصهيونية التي تقول ( أنت عربي إذًا أنت مضطهد )
المدارس والجامعات في اسرائيل ليست هي المؤسسات الوحيدة التي يستغلها الجيش الإسرائيلي من أجل التجنيد وتكريس العسكرة لدى الأجيال الصاعدة فهنالك منظومة المخيمات الصيفية المصممة خصيصًا على النمط العسكري حيث تقدم هذه المخيّمات ( التدريبات الأساسية ) التي يتبعها الجيش الإسرائيلي من خلال ألعاب ومسابقات تحاكي عمليات مكافحة الإرهاب بالإضافة إلى عدة أنشطة متعلقة بشكل أكبر بالتكنولوجيا العسكرية حيث توجد أقسام للحرب الإلكترونيّة والتجسس والأمن السيبراني وليس من الغريب ان تجد أطفال إسرائيليون يتدربون على استخدام السلاح واطلاق النار نحو تماثيل واهداف على هيئة اطفال عرب أو مقاومين فلسطينيين
حتى انه ووفق استطلاع عام أجري بين الاطفال المشاركين في هذه المخيمات العسكرية الاسرائيلية وجد العديد بينهم من يقول ( أريد أن أخدم في الفرقة 8200 وهي الفرقة التابعة للجيش الإسرائيلي والمتخصصة في عمليات التجسس على الفلسطينيين ومراقبتهم وتعقّب جميع حركاتهم في الأراضي الفلسطينيّة وبعضهم فضل فرقة المستعربين التي تتخفى في الليل والنهار بأزياء ولهجات واشكال عربية لاعتقال المقاوميين المطلوبين فيما بعضهم حبب الخدمة في سلاح المدفعية او الطيران لقصف عزة وقتل اطفالها وتدمير وانفاقها هكذا تعد اسرائيل ابنائها وترسم مستقبل اجيالها للحرب والقتل والدمار ونحن كيف هدمنا اجيالنا بالتجهيل ونظفنا مناهجنا من أي ذكر لليهود وخبثهم او أي اشارة لمعاركنا معهم او اسماء ابطالنا الذين قاتلوهم ولا زلنا نركض زاحفين بذل ومهان ة خلف مؤامرات التطبيع والسلام
mahdimubarak@gmail.com