جفرا نيوز - تقرير: موسى العجارمة
*غوشة: الهيكلة غير واضحة في الأردن
*شويكة: عدد المؤسسات المستقلة لا يتجاوز 12
*العجارمة: لن ينفذ المشروع دون توفر الرغبة عند صاحب القرار
ذهبت حكومات عديدة وتغير وزراء كثر، وبقى ملف دمج المؤسسات الحكومية الشائك الذي ينتظره الكثيرون حبيساً للأدراج وسط محاولات من قبل وزراء دولة لتطوير الأداء المؤسسي بأن يترجم هذا المشروع على أرض الواقع بهدف ترشيق الجهاز الحكومي وتقنين النفقات في ظل الظروف الصعبة، إلا أن السؤال الأبرز أين وصل هذا التوجه في خضم تصريحات من قبل عدة حكومات أدلت بأن هيكلة الجهاز الحكومي بات على الأبواب وهناك مؤسسات وهيئات سيتم دمجها على أوجه السرعة دون أية نتائج على أرض الواقع.
أجواء ضبابية تحوم حول هذا الملف، بالإشارة إلى أن السير بهذا التوجه يحتاج إلى التأني والتخطيط وجمع المعلومات والتطبيق على أرض الواقع لطالما عملية دمج الوزارات تتطلب النظر إلى مصير الموظفين العاملين بكلتا الوزارتين مع أهمية بقاء الخدمات المقدمة للمواطن بذات الجودة، إلا أن هذا الملف لم يحظَ بالاهتمام على محمل الجد من قبل الحكومات المتعاقبة؛ لكون الدراسات تغيرت عدة مرات والخطوات تم التراجع عنها لأكثر من مرة، وكأن هذا الملف سيبقى يراوح مكانه لحين إشعار آخر.
*أين وصل ملف الدمج؟
وزير الدولة لتطوير الأداء المؤسسي السابق ياسرة غوشة، تؤكد أن جلالة الملك شدد في كافة خطابات التكليف على أهمية الإصلاح الإداري والتركيز على إعادة الهيكلة للجهاز الحكومي، وخاصة في الورقة النقاشية السادسة، لافتة إلى أنه في السنوات السابقة باتت الأمور كما هي وتكرر نفسها من جديد، وخاصة أن قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بالهيكلة كانت تتغير بالتزامن مع تعديل الحكومات، منوهة أن الحكومة الأفضل هي التي تقدم مؤسساتها بشكل أفضل بأقل تكلفة وأفضل الخدمات لمتلقيها وتحقيق كافة النتائج كا يلزم.
وتضيف غوشة في حديثها لـ"جفرا نيوز"، أن الهياكل التنظيمية للوزارات والدوائر والأنظمة الخاصة بالتنظيم الإداري للوزارات كثيرة التغيير ولا يوجد ثبات، وخاصة مع التعديلات العديدة التي أجريت على نظام الخدمة المدنية، ولجنة تطوير الأداء المؤسسي والسياسات والاقتصاد الرقمي التي تأسست أكثر من مرة على الرغم من أن الهيكلة متبعة في عدة دول منها: (بريطانيا، روسيا، الولايات المتحدة الامريكية) وغيرها، إلا أن الهيكلة غير واضحة في الأردن، ولا يوجد رؤية محددة لكيفية العمل، لأنه يتم اجراؤها دون دراسات مسبقة.
"ومشروع هيكلة الجهاز الحكومي طرح منذ سنوات عدة، منها برنامج إصلاح القطاع العام الذي أطلق عام 2004 وكان أحد محاورة هيكلة الجهاز الحكومي، وأخذ سنوات بالرد والمناقشة وصدرت عدة قرارات وزارية سابقة بدمج دوائر ولكن لم تتابع، لغاية عام 2010 والذي صدر فيه قرار لمجلس الوزراء يقضي بتنفيذ المرحلة الأولى من برنامج إعادة هيكلة المؤسسات والدوائر العامة وترتب على ذلك دمج وإلغاء دوائر. وفي عام 2019 تم الاعلان عن عمليات دمج وإلغاء". بحسب غوشة.
*ماذا نحتاج لإجراء هيكلة صحيحة في المملكة؟
تبيّن أن عملية الهيكلة تحتاج لتحويل القطاع إلى جهاز أصغر، ويتم إعادة توزيع الموظفين، ومراجعة المهام والخدمات الرئيسة للمؤسسة، ومعرفة أن كان عملها تنظيمي ورقابي أم تنفيذي، والحل الأمثل يتمثل بتقسيم القطاعات ومعرفة الخدمات التي تقدمها كل وزارة ومؤسسة وبناءً على ذلك يتم دمجها، موضحة أن عملية إصلاح القطاع العام تعد مسؤولية أفقية تتشارك فيها كافة الوزارات والمؤسسات المعنية وترتبط مباشرة برئيس الوزراء، وينبغي إجرائها من خلال الدوائر والوزارات مع ديوان الخدمة المدنية وبمساعدة وحدة دعم القرار في رئاسة الوزراء.
وتتابع بحديثها: إن إعادة الهيكلة من صلب عمل كل وزارة أو مؤسسة مستقلة؛ لأنها الأكثر دراية بطبيعة عملها وخصوصياتها بمساعدة ديوان الخدمة المدنية ووحدة رسم السياسات ودعم القرار في رئاسة الوزراء؛ لأن عملية الهيكلة لابد من دراستها بشكل علمي حتى لا ندخل في برنامج إعلان دمج تم التراجع عنه، وهذا ما حصل عدة مرات خلال سنوات سابقة.
وتشدد على أهمية وضع خطط طويلة المدى وخطط متوسطة المدى وترتبط بمدد زمنية وتحديد المسؤولين ودور ديوان الخدمة بإعادة توزيع الموظفين دون المساس بحقوقهم، وهذه الخطط يجب أن تكون مبنية على دراسات أعد الكثير منها سابقاً، ويجب أن تراجع وتعتمدها الحكومة وتكون ملزمة للحكومات المتعاقبة، ويتم الإعلان عن الإنجاز بشكل دوري لإطلاع المواطنين على تطور العمل من باب الشفافية، وأن يتم تشكيل الخطط عبر تعاون نقاشي جدلي بين الوزارة المعنية وديوان الخدمة المدنية.
ويبدأ تشكيل هذه الخطط من قاعدة الهرم الوظيفي في الوزارات والمؤسسات المعنية بتحديد الوصف الوظيفي والدور الوظيفي للأقسام حالياً، وأثناء تشكيل هذه الخطة باتجاه قمة الهرم الوظيفي يتم تحديد التوقعات لحجم العمل والدور الوظيفي للأقسام في السنوات الخمس اللاحقة، ولا بد من برنامج علمي منظم مرتبط بمدد زمنية يتم خلالها توزيع المهام وإعادة تأهيل الموظفين وتوزيعهم، ويجب أن ترتبط خطة إعادة الهيكلة بخطة إعادة تأهيل الموارد البشرية ليكون الاستخدام الأمثل للموظفين المعنيين على الكادر الوظيفي.
*ما هو دور معهد الإدارة العامة في هذا الصدد؟
توضح غوشة في نهاية حديثها لـ"جفرا نيوز"، أن البرامج التدريبية لإعادة تأهيل الموارد البشرية هي أحد الأدوار المفصلية في انجاح خطة إعادة هيكلة القطاع العام، لافتة إلى أنه تم تشكيل هذه البرامج التدريبية حسب احتياجات الوزارات المعنية وتعزيز ثقة الموظف بعمله ودوره في الوزارة، وهناك مؤسسات مستقلة لا يمكن دمجها مثل: الضمان الاجتماعي وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات؛ إلا أن هناك مؤسسات تقدم خدمات متشابهة .
*شويكة: المؤسسات المستقلة عددها لا يزيد عن 12
وزير دولة لتطوير الأداء المؤسسي الأسبق م.مجد شويكة تروي تفاصيل مرحلة عملية الهيكلة عندما كانت تتولى هذه المهمة، مؤكدة أن هذا الملف سواء أن كان يتعلق بالدمج أو إلغاء الوزارة أثبت بأن هناك أهمية للاطلاع على مهام وصلاحيات كل وزارة، سواء أن كان بالقطاعات أو الفجوات المتعلقة بالعمل بين كل وزارة، لافتة إلى أنه خلال فترة وجودها في دائرة تطوير الأداء المؤسسي وجدت بأن هناك أدوارًا مكملة أحياناً وازدواجية غير واضحة بين كل وزارتين، والدراسة التي أجريت لهذا الشأن خرجت بمقترحات عدة.
وتبيّن شويكة أثناء حديثها لـ"جفرا نيوز" أنه أثناء تلك الفترة تم اكتشاف أدوار مشتركة بين وزارتي الاتصالات وتطوير القطاع العام، فوجدنا بأن هناك مهام مشتركة بذات الوزارتين، فقمنا بتحويل الجزء الذي يتعلق بالسياسيات ومنظومة الأداء المؤسسي في رئاسة الوزراء، ودمجنا الجزئية التي تتعلق بإعادة هندسة الإجراءات في وزارة الاتصالات وتكنولوجية المعلومات آنذاك، مشيرة إلى أنه بعد دراسة محاور كل وزارة بشكل منفصل، اكتشفنا بأن هناك وزارات مثل:( وزارة التربية والتعليم العالي) لديها أدوار مكملة لبعضها البعض، بالإشارة إلى أن الخدمات المساندة مثل:(الموارد البشرية وتكنولوجية المعلومات) متوفرة بكافة الوزارات بذات المهام، بالتالي ينبغي على الأقل دمج الخدمات المساندة بين الوزارات.
"وأذكر عندما قام رئيس الوزراء السابق د.عمر الرزاز بتكليف وزراء لإدارة وزارتين، أصبح التوجه حينها ممثلاً بتوزيع المهام والمسؤوليات لكل وزارة من أجل الخروج بنموذج واحد لكل وزارة، ليصبح ذلك من الصعب تحقيقه من الناحية القانونية والإدارية والفنية، وخاصة بأن مسألة دمج الوزارات تحتم الرجوع للقوانين والأنظمة". وفق شويكة.
*شويكة: نجحت بالخروج بدائرة تطوير الأداء المؤسسي
وتضيف أن مركز تكنولوجية المعلومات قمنا بتحويله لدائرة تابعة لوزارة الاتصالات وتكنولوجية المعلومات، واقترحنا بدمج صندوق توفير البريد وشركة البريد الأردني، بحيث يكون مركزاً واحداً، قائلة:" نجحت بدائرة تطوير الأداء المؤسسي لأنني كنت وزير مختص ولا يمكن مقاومة أية فكرة تطرح على الطاولة، بجانب الفريق المختص في الدائرة، ونجحنا بوجود دائرة تطوير الأداء المؤسسي المعنية بالمتابعة والتنسيق".
وفيما يتعلق بدمج المؤسسات المستقلة، تقول إن عددها لا يزيد عن 12 مؤسسة، بعكس ما يعتقد البعض بأن عددها كبير؛ لطالما أغلبها شركات وبحسب قانون الشركات يجب أن تكون تلك المؤسسات مستقلة، وبعض الهيئات تعمل كجهات رقابية وينبغي أن تكون مستقلة مثل: (ديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات)، موضحة أن هناك هيئات من الممكن دمجها مثل النقل البري والجوي والبحري؛ ولذلك اقترحنا بأن يتم الاعلان عن هيئة نقل واحدة تضم التخصصات الثلاثة، وبعد مراجعة الممارسات الفضلى وجدنا أن هيئة النقل الجوي لا يمكن أن تكون بذات مظلة الهيئة البحرية والبرية، ناهيك عن المعيقات التشريعية التي لا تخول السير بهذا التوجه.
ولم تخفِ شويكة في نهاية حديثها لـ"جفرا نيوز"، امكانية بقاء دائرة تطوير الأداء المؤسسي دون وزير، شريطة وجود وزير دولة في رئاسة الوزراء يدافع عن الملف بشراسة، مشيدة بمنصة بخدمتكم التي كانت ترصد كافة الشكاوى التي تعد من أهم الملفات لأن الاصلاح لا يحدث إلا بمعرفة مكامن الخلل.
*العجارمة: لا الهيكلة تنفذ دون وجود رغبة عند صاحب القرار
وزير دولة لتطوير الأداء المؤسسي السابق رابعة العجارمة، تؤكد أن هناك عدة أسباب لتأخر هيكلة الجهاز الحكومي أولها تكمن بوجود الإرادة الحقيقية عند صاحب القرار (الجهة التنفيذية) والرغبة السياسية لدى الحكومة، ودون توفر هذه المتطلبات لن يبصر ملف الهيكلة النور ، موضحة أن السير في موضوع الهيكلة يرافقه التحديات المتعلقة بالموارد الشعبية في ديوان الخدمة المدنية، وكيفية التعامل على الرغم من إتخاذ بعض قرارات كانت صعبة على مستوى الحكومة والموظف من خلال إحالات عديدة إلى التقاعد خلال الفترة الماضية.
وتقول العجارمة لـ"جفرا نيوز" إن الأمرين الأساسيين اللذين أسهما بتأخر هيكلة المؤسسات كانا من خلال التحديات المتعلقة بكيفية تأسيس نموذج يستخدم أو مكان وجود المؤسسة، وعدا عن بعض مشاريع الهيكلة التي لم تستكمل أفكارها، لافتة إلى أن تلك المشاريع بدأت بالشكل الصحيح في مرحلة التخطيط وحين التنفيذ لم تنجز بالشكل الصحيح، ولم تضع خيارات وإجراءات بديلة في مواجهة أي مخاطر طارئة، وهذا لم يشجع متخذ القرار على استكمال الخطوة، ما أدى للتردد في عملية اتخاذ أي قرار مشابه بذلك.
"وهناك دراسات قد أجريت، ولم تنظر للجهاز الحكومي ككل، وخلال فترة وجودي في الحكومة أجرينا دراسات كاملة للجهاز الحكومة كاملاً، ومعرفة الفجوات التي يعاني منها الهيكل الحالي للجهاز الحكومي؛ لنساعد على تحقيق النتائج والأهداف المطلوبة حسب التوجهات سواء الملكية أو الاستراتيجيات الوطنية، وعندما أجرينا الدراسة كانت بهذا المنظور وقمنا بمراعاة الاستراتيجيات والتوجهات كاملة، والأهداف التي يجب تحقيقها، وكيفية شكل الجهاز الحكومي الذي من الممكن حدوثه". بحسب العجارمة
*العجارمة: عملية الدمج لا تطبق بسرعة
وتشير إلى أن عملية الدمج لا تتطبق بسرعة ويجب أن يتم تنفيذها بتأني وبدقة كبيرة تجنباًَ لحدوث مخاطر ونتائج سلبية، لطالما مسألة تطبيق هذا الملف بحرفية لا ترتبط بالسرعة، ولا بد من تحضير الخطوات وبعدها إعلان قرار الدمج، وعكس ذلك سيؤثر على الخدمات وإحداث لبس للشارع الأردني، بالإشارة إلى أن بعض الدراسات أدلت بأن عملية الدمج لا تحقق عملية التوفير فقط بل تكون مكلفة في بعض الأحيان.
وتختم العجارمة حديثها لـ"جفرا نيوز" بأن المؤسسات تعمل بشكل منفرد ويجب توحيد القطاعات ووضعها ضمن ترتيب معين؛ لكي يتم معرفة كيفية العمل مع بعضها البعض، مشيرة إلى أنه لغاية هذه اللحظة لم ينفذ أي قرار بهذا الخصوص وقد أجريت دراسة بهدف توحيد القطاعات وتقديم تصنيف واضح للقطاعات.