النسخة الكاملة

السفير الأمريكي بين الأسلوب الدبلوماسي وثبات المصالح

الثلاثاء-2025-12-30 12:32 pm
جفرا نيوز -
بقلم: د. جلال عايد الشورة

ليس السؤال من هو السفير الأمريكي في الأردن، بل ماذا يفعل، ولمصلحة من، وبأي كلفة. فالأسماء تتبدّل، بينما تبقى البنية العامة للعلاقة ثابتة؛ إذ يشكّل الأردن عقدة استقرار في إقليم مضطرب، وتدير الولايات المتحدة هذا الملف بعقل بارد ولغة دبلوماسية هادئة.

هذه المقاربة ليست جديدة، لكنها تستحق نقاشًا موضوعيًا يتجاوز الأشخاص والأساليب، وينصرف إلى طبيعة الدور وحدوده ضمن إطار العلاقات الدولية. فالدبلوماسية الأمريكية، كغيرها من دبلوماسيات الدول الكبرى، تعتمد خطابًا محسوبًا وتواصلًا مجتمعيًا يهدف إلى تسهيل الحوار وبناء الثقة. وهذا نهج مهني مشروع لا يحمل في ذاته أي إشكال. غير أن هذا الأسلوب، مهما بدا إيجابيًا، لا يعني بالضرورة تحولًا في جوهر السياسات، التي تُصاغ في مؤسسات القرار المركزية، لا في السفارات.

يمكن توصيف العلاقة الأردنية–الأمريكية ضمن أطر رئيسية باتت معروفة؛ في مقدمتها الأمن والاستقرار، حيث يُعدّ الأردن شريكًا أساسيًا في منظومة الاستقرار الإقليمي، ثم التنسيق السياسي في إدارة الملفات الحساسة ضمن محيط شديد التعقيد، وصولًا إلى الدعم الاقتصادي من خلال مساعدات وتعاون يهدفان إلى تعزيز الصمود الاقتصادي. هذه المحددات ليست موضع خلاف، وهي تشكّل الأساس العملي للعلاقة منذ سنوات طويلة.

ومن حق أي نقاش وطني هادئ ومسؤول أن يطرح تساؤلات مشروعة، من قبيل كيفية تعظيم الاستفادة من الموقع الجيوسياسي للأردن، وكيف يمكن أن تتحول المساعدات إلى مشاريع إنتاجية مستدامة، وكيف يُعزَّز هامش القرار الاقتصادي ضمن الشراكات الدولية. مثل هذه الأسئلة لا تستهدف أشخاصًا ولا دولًا، بل تندرج ضمن التفكير الاستراتيجي المشروع الذي تسعى إليه الدول في علاقاتها الخارجية.

وغالبًا ما ينصرف الاهتمام العام إلى التفاصيل الشكلية في العمل الدبلوماسي، لما تحمله من جاذبية إعلامية، إلا أن هذا التركيز نادرًا ما يقدّم إجابات حقيقية. فالتحليل الأجدى هو الذي ينظر إلى المسارات والنتائج، لا إلى الصور والانطباعات، ويقيس العلاقات بما تحققه من أثر فعلي لا بما تخلقه من حضور رمزي.

في المحصلة، يعمل السفير الأمريكي في الأردن، كما أي سفير، ضمن إطار محدد بوضوح، تحكمه سياسات دولته ومصالحها. ويبقى نجاح الشراكة، من الجانب الأردني، مرتبطًا بوضوح الأهداف، واحتراف إدارة العلاقة، وتعزيز منطق التعاون المنتج.

وفي نهاية المطاف، لا تُقاس العلاقات الدولية بحسن الخطاب ولا بكثافة التواصل، بل بقدرتها على إنتاج نتائج ملموسة تُترجم إلى استقرار مستدام وتنمية حقيقية. فالسؤال الجوهري ليس من يمثل من، بل كيف تُدار الشراكات، وبأي أدوات، ولأي أهداف. عند هذا الحد فقط، يصبح الحديث عن الدبلوماسية حديثًا منتجًا، لا تكرارًا لمشهد مألوف.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير