جفرا نيوز -
نيفين عبدالهادي
ليس منخفضا، وليس بردا، وليست أمطارا، وليس جوعا، ففي غزة كل ذلك وغيره من شتاء غزة، يأتيهم على شكل الموت، يموتون جوعا وبردا، ومرضا من الماء الملوّث الذي يضطرون لشربه، تفاصيل ليست كغيرها على هذه الأرض، حيث تعيشها البشرية بشكل يُمكن التعامل معه، ومواجهة سلبياته وتحدياته، لكن الوضع في غزة مختلف، فلا منقذ ولا حلول لما يواجهون، يضاف إليها القصف الإسرائيلي الذي لم يتوقف في سماء غزة، حتى بعد اتفاق إنهاء الحرب الأمريكي.
تعيش غزة واقعا لا يحتاج عيونا ثاقبة، ولا رؤية زرقاء اليمامة لتنقل تفاصيله، فخلال أيام المنخفض الجوي الذي تشهده المنطقة، تضرر نحو 235 ألف شخص في قطاع غزة جراء تأثيرات المنخفض الجوي الحالي، ونتج عنه انهيار مبان أو شبه مبان فلم يبق في غزة مبان كاملة ليبقى عدد كبير من سكانها يعيشون وسط أنقاض آيلة للانهيار، وكذلك تضرر الخيام، واقتلاعها بالكامل، إضافة لانتشار عدد من الأمراض الخطيرة نتيجة للأحوال الجوية وتلوث المياه مثل مرض الكبد الوبائي من النوع (A) ، الذي يُعد مؤشرا واضحا على تلوث مياه الشرب في القطاع، وانتشار واسع لأمراض النزلات المعوية والإنفلونزا، لا سيما بين الأطفال، نتيجة الاكتظاظ والبرد الشديد والتلوث البيئي. ومنذ بدء تأثير المنخفضات الجوية على القطاع في كانون الأول الحالي، هناك 25 شهيدا فلسطينيا بينهم 6 أطفال قضوا بفعل البرد القارس، فيما غرقت نحو 90 بالمئة من مراكز إيواء النازحين!!
هي تفاصيل مؤلمة بل تصل لوجع القلب والروح، فبينما يعلو صوت العالم بأسره بشأن تحقيق السلام، فإن إسرائيل تستمر في حربها على الأهل في غزة، تستمر في حرب الإبادة الجماعية، من قتل وتجويع وتدمير ونزوح واعتقالات وقصف لا يتوقف، متجاهلة وغير مكترثة بالنداءات العربية والدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بضرورة وقف هذه الحرب، تسير في درب دون أن تتوقف خطوتها نحو مزيد من الجرائم، التي تزداد خطورة يوما بعد يوم، وتبقي الأهل في غزة جميعهم مشاريع شهداء، ليكون شتاء غزة ليس كغيرها من بلدان المعمورة، شتاء يحمل وجعا وألما وفقدانا للأهل في غزة، وكل ما يحتاجونه اليوم أن تتحول ردود الأفعال من القول إلى القرارات كما هو الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني الحاضر في غزة بإعانتهم لمواجهة وجعهم وظروف الشتاء بمستلزمات تشكّل لهم عونا حقيقيا يحضر بها الأردنيون في ميدان الأفعال بعيدا عن القول واستعراضاته.
يؤكد الغزيون أو من نتمكن من الحديث معهم أن ما يحتاجونه في هذه الأيام والظروف الصعبة جدا، بل الأصعب، ليس تشخيصا لواقعهم، ولا احترافية الوصف، يحتاجون مواقف وقرارات، يحتاجون من يوقف الحرب وينهيها أو يضغط على إسرائيل تنفيذ اتفاق إنهاء الحرب الذي لم تلتزم به ولو لساعات، فمنذ توقيع الاتفاق وصل عدد الشهداء إلى (414) وإجمالي الإصابات (1145) وإجمالي الانتشال (680)، هي أرقام تحكي وجعا واستهتارا إسرائيليا وعدم اكتراث بقرارات أجمع عليها العالم.
تقف غزة اليوم في مهب الرياح بشكل حقيقي، وليس تعبيرا رمزيا لحالة، تفرض الاستماع لصرخات أطفالهم ونسائهم، وخروج المجتمع الدولي عن إطار السمع إلى إطار الفعل، بالضغط على إسرائيل لتنفيذ اتفاق وقف الحرب، وفتح الأبواب أمام المساعدات، يحتاج الغزيون خروجا من دائرة الكلام، إلى ميدان القرارات العملية، يحتاجون من يخفف عنهم ظروف البرد والشتاء، ويغيّر من واقعهم لجهة العدالة، يحتاجون فعلا كما هو الأردن الذي سعى ويسعى جاهدا لإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية للقطاع، فشتاء غزة ليس مجرد شتاء.