جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
لقد كنتُ وفيًا جدًّا «لإسرائيل»، أكثر من أي رئيس آخر. نعم، سأحمي إسرائيل- ترامب.
بدأ أبرز حلفاء الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة بالتخلّي عنه واحدًا تلو الآخر. ومن بينهم التيار الداعم للرئيس الأمريكي المعروف بشعار «لنجعل أمريكا عظيمة من جديد» (MAGA) وهم على الدوام من أشدّ أنصار الكيان وأكثرهم إخلاصًا. غير أنّ أصواتًا ناقدة ارتفعت من داخل هذا التيار نفسه، موجّهةً انتقادات علنية غير مسبوقة.
ويُضاف إلى تيار «ميغا» حلفاء آخرون، هم الإنجيليون؛ إذ يرى كثيرٌ منهم أنّ عقيدة نهاية الزمان تتضمن عودة اليهود إلى «الأرض الموعودة» خلال فترة الاضطهاد المعروفة باسم «المِحن»، وأنّ الذين ينجون من تلك المحن ثم يعترفون بالمسيح يسوع مخلّصًا لهم سيُكتب لهم الخلاص. ولطالما شكّل الإنجيليون ركيزة أساسية للدعم الأمريكي للكيان، غير أنّ هذه الركيزة بدأت تهتزّ. فقد كشف استطلاع أجرته مؤسسة بارنا (BARNA)، وهي منظمة بحثية مسيحية، أنّ دعم الكيان بين الشباب الإنجيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا قد تراجع بشك حاد، إذ بدأ الانخفاض قبل طوفان الأقصى ثم تسارع بشكل أكبر بعده، ليهبط إلى أقل من 30% بعد أن كان يقارب 75% سابقًا.
شاهدتُ برنامجًا وثائقيًا عن فعالية نظّمتها حركة نقطة التحوّل (Turning Point) التي أسّسها الناشط تشارلي كيرك، واستضافت خلالها نائب الرئيس الأمريكي جي. دي. فانس. وأثناء اللقاء، وجّه أحد الطلاب ـ وقد عرّف نفسه بأنه «مشوَّش» ـ سؤالًا إلى فانس وسط تصفيق الحاضرين قال فيه:
لماذا تمنح الولايات المتحدة إسرائيل مئات المليارات من الدولارات لتمويل ما وصفه تشارلي كيرك بـ«التطهير العرقي في غزة»، رغم أنّ ديانتهم لا تتفق مع ديانتنا، بل يقومون باضطهادنا نحن المسيحيين في فلسطين؟
قدّم فانس إجابة دبلوماسية، إذ اعترف بوجود خلافات بين الديانتين، ودعا إلى الحوار بوصفه الطريق الأمثل لتجاوزها.
كان تشارلي كيرك، مؤسس حركة نقطة التحوّل وحليف ترامب، شخصية ذات تأثير واسع في الأوساط الشبابية، وله دور محوري في وصول ترامب إلى الحكم. وقد عُرف كيرك طيلة سنوات بمواقفه الداعمة بشراسة للكيان الصهيوني، لكنّ موقفه تغيّر جذريًا بعد طوفان الأقصى، إذ انقلب على الكيان وبدأ يوجّه إليه انتقادات لاذعة. وفي العاشر من أيلول الماضي، جرى اغتياله أثناء إلقائه خطابًا في جامعة يوتا. وقد نعاه مجرم الحرب نتن ياهو بكلمات رسمية، لكنّ نظريات عديدة تتداول أنّ نتن ياهو نفسه يقف وراء عملية اغتياله بعد أن خسر صوتًا مؤثرًا للغاية داخل التيار المحافظ.
يشكّل الإنجيليون في الولايات المتحدة نحو ثلث الإنجيليين في العالم. ورغم اتفاقهم على روايات نهاية الزمان، فإنّ كثيرين منهم يرفضون تسييس هذه النبوءات أو توظيفها لخدمة مشاريع استعمارية. ومن المفارقات المؤلمة أنّ الإنجيليين في فلسطين المحتلّة يتعرّضون للقتل والاضطهاد، تمامًا كما يتعرّض له إخوانهم المسلمون وبقية الطوائف المسيحية هناك.
وفي اجتماع التحالف الإنجيلي العالمي، الذي يضمّ نحو ستمئة مليون إنجيلي من 161 دولة، جرى انتخاب الناشط السريلانكي غودفري يورغاراه رئيسًا جديدًا للتحالف خلفًا للألماني توماس شيرماخر المعروف بدعمه للكيان. كما عُيّن المحامي الفلسطيني بطرس منصور، الناصريّ الأصل، أمينًا عامًا ومديرًا تنفيذيًا، وهو ناشط بارز في تقريب وجهات النظر بين المسيحيين الفلسطينيين والغربيين. ويمتلك منصور منصة إلكترونية تُسلّط الضوء على التمييز الصهيوني ضد الفلسطينيين داخل أراضي 1948، الذين يشكّلون نحو 20% من السكان، داعيًا الإنجيليين الغربيين إلى زيارة فلسطين بأنفسهم بدلًا من قبول السرديات الجاهزة المؤيدة للكيان.
كما فقد الصهاينة نفوذهم داخل الأوساط المعمدانية حين انتخب الاتحاد المعمداني الأوروبي (EBA) في شهر أيلول الماضي اللبناني تشارلز كوستا رئيسًا جديدًا له، وهو اتحاد يضم جمعيات من أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ولعلّ من أهم الضربات التي تلقّاها الكيان كذلك، تعيين التحالف المعمداني العالمي الأردني نبيه عباسي أوّل سفير له في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في خطوة وُصفت بأنها تحوّل جوهري في موازين التأثير داخل الكنائس البروتستانتية عالميًا.
وبعد أن قصف الصهاينة مستشفى المعمداني في غزة في بداية المجزرة، وجّه الأب نبيه عباسي دعوة إلى جلالة الملك عبد الله الثاني لتبنّي حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية.
وهكذا، نرى اليوم أردنيين وفلسطينيين وعربًا يصلون إلى أرفع المناصب في الاتحادات الإنجيلية العالمية، حاملين صوت الحقّ الفلسطيني إلى المنابر الروحية العالمية. ومع التحوّل المتسارع في مواقف الشباب الغربيين تجاه الكيان، تبدو الخسارة الروحية التي يتعرّض لها الكيان أعمق وأخطر من أي خسارة سياسية أو عسكرية. فإذا فقد الكيان هذا السند العقائدي الذي طالما استند إليه، فإنّ ذلك سيترك بلا شك أثرًا بالغًا على مستقبله ومكانته.