جفرا نيوز -
يونس الكفرعيني
لم يكن فوز المنتخب الأردني على شقيقه السعودي مجرد أهداف في شباك المنافس، ولا نقاط تُضاف إلى جدول الترتيب، بل كان إعلانًا جديدًا بأن هذا المنتخب قد انتقل من مرحلة "المحاولة” إلى مرحلة الإنجاز الواعي، ومن لعب الكرة بردّ الفعل إلى صناعتها بثقة من يعرف طريقه جيدًا.
ما يقدّمه النشامى اليوم ليس صدفة، وليس طفرة عابرة، بل ثمرة مشروع يتشكّل بهدوء، ويترسخ بقوة، ويعبّر عن هوية واضحة، منتخب يعرف من هو، وماذا يريد، وكيف يصل.
أول ما يلفت في هذا المنتخب ليس الرسم الخططي، ولا أسماء اللاعبين، بل الروح. روح القتال حتى الدقيقة الأخيرة، روح عدم الاستسلام عند التأخر، وروح الإيمان بأن الفوز يُنتزع ولا يُنتظر.
في مباراة الأمس، ظهر النشامى كما اعتدنا عليهم مؤخرًا: لا تراجع نفسي، لا ارتباك، لا انكسار تحت الضغط. منتخب يلعب بثبات ذهني يُحسد عليه، ويقاتل على كل كرة وكأنها الأخيرة. وهنا تكمن القيمة الكبرى: هذا منتخب لا يخاف من الأسماء، ولا من الجماهير، ولا من التاريخ. يحترم خصمه… لكنه لا يهابه.
المدرب، في هذه المرحلة، لم يعد مجرد مدرب لياقة أو مُحفّز معنوي، بل قائد مشروع. واضح أن الجهاز الفني يمتلك قراءة عميقة للخصوم، ويُحسن توظيف إمكانات لاعبيه وفق ظروف كل مباراة.
في مواجهة السعودية، برزت عدة نقاط فنية لافتة: الانضباط التكتيكي في التحولات الدفاعية والهجومية. الضغط الذكي دون تهور، وإجبار الخصم على اللعب في المساحات غير المفضلة لديه. المرونة الخططية؛ فالمنتخب لا يتجمّد على رسم واحد، بل يتحول حسب مجريات اللعب. التبديلات المؤثرة التي لم تكن ترقيعًا، بل أدوات حسم. هذا يدل على مدرب لا ينتظر أن تسوء الأمور ليتدخل، بل يستبق الحدث، ويقود المباراة بعقل بارد وقلب واثق.
أجمل ما في هذا المنتخب أنه فريق قبل أن يكون مجموعة نجوم. كل لاعب يعرف دوره بدقة، ويؤديه دون استعراض، ودون أنانية. الدفاع لا يكتفي بالإبعاد، بل يبدأ البناء. الوسط لا يركض عبثًا، بل يربط ويوازن ويصنع الإيقاع. الهجوم لا يضيع الفرص بسهولة، بل يضرب في اللحظة المناسبة. والأهم من كل ذلك: الالتزام. لا أحد يلعب خارج المنظومة، ولا أحد يشعر أنه أكبر من الشعار.
المنتخبات الكبيرة تُقاس بقدرتها على الصمود، لا فقط على التسجيل. والنشامى أثبتوا مرارًا أنهم يعرفون كيف يتحملون الضغط، وكيف يقاتلون عندما تتعقّد الأمور. في لحظات اندفاع الخصم، لم نرَ فوضى ولا ارتباكًا، بل تنظيم، تغطية، وتضحية. هذا الصمود لا يُدرّس في الملعب فقط، بل يُبنى في العقل، ويُغذّى بالإيمان بالمجموعة وبالهدف.
حين يلعب النشامى، تشعر أن كل كرة تحمل وجع الناس، وأملهم، وانتظارهم الطويل. هذا منتخب يلعب باسم المدرّس والعامل، باسم الجندي والطالب، باسم كل من يريد أن يرى علم الأردن مرفوعًا بثقة.
الفوز على السعودية ليس نهاية الطريق، لكنه محطة تؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح، وأن الحلم الذي بدا يومًا بعيدًا… أصبح اليوم أقرب، وأكثر واقعية. ما يحققه النشامى اليوم يفرض مسؤولية أكبر غدًا: الاستمرار في العمل لا الاكتفاء بالفرح. حماية هذا الجيل بالدعم والثقة لا بالضغط المفرط. الإيمان بأن هذا المنتخب قادر على الذهاب بعيدًا… إذا تُرك يعمل بهدوء. فالنشامى لا يلعبون كرة قدم فقط، هم يكتبون قصة، قصة منتخب قرر أن يؤمن بنفسه، وأن يقاتل.