النسخة الكاملة

البداوي يكتب: التقليد الأعمى للغرب

الأحد-2025-12-14 10:34 am
جفرا نيوز -
بقلم: خالد مفلح البداوي

لم يعد التقليد الأعمى للغرب مجرد سلوك عابر أو موضة مؤقتة، بل تحوّل عند بعضنا إلى نمط تفكير وأسلوب حياة، يُستنسخ دون تمحيص أو وعي، وكأن كل ما يأتي من هناك صحيح بالضرورة، وكل ما نملكه هنا ناقص أو متخلّف. المشكلة ليست في الانفتاح أو التعلّم من تجارب الآخرين، فذلك أمر صحي ومطلوب، إنما في فقدان البوصلة، حين نقلّد بلا فهم، ونستهلك بلا وعي، ونتخلى عن ذواتنا بحجة الحداثة.

الغرب تقدّم لأنه احترم العقل ونظّم العمل، وقدّس الوقت، واستثمر في الإنسان، لا لأنه تخلّى عن هويته. أما نحن، فبعضنا اختصر التقدّم في المظهر، واللغة، والعادات السطحية، وترك الجوهر. نقلّد لباسهم، ومصطلحاتهم، وحتى سلوكياتهم الاجتماعية، دون أن نسأل: هل تناسب بيئتنا هل تنسجم مع قيمنا؟ هل تضيف لنا أم تسلبنا

المؤلم أن التقليد الأعمى لا يقتل الإبداع فقط، بل يزرع شعوراً دفيناً بالنقص. حين يعتقد الإنسان أن النموذج الوحيد للنجاح هو أن يكون نسخة عن الآخر، يفقد ثقته بذاته وبقدرته على الابتكار. وهنا تكمن الخطورة؛ أجيال تنشأ وهي ترى هويتها عبئاً، وتراثها عائقاً، ولغتها أقل شأناً.

لسنا ضد التقدّم، ولا ضد الاستفادة من تجارب الغرب العلمية والإدارية والتقنية، بل على العكس، نحن بأمسّ الحاجة إليها. لكن الفرق كبير بين أن أتعلم منهم، وأن أذوب فيهم. بين أن آخذ ما يناسبني، وأن أتبنى كل شيء دون فرز. الأمم القوية هي التي تأخذ وتضيف، لا التي تأخذ وتذوب.

التقليد الواعي ينهض بالأمم، أما التقليد الأعمى فيُفرغها من روحها. نحن بحاجة إلى مراجعة صادقة كيف نكون معاصرين دون أن نكون مقلّدين كيف ننفتح على العالم دون أن نغلق أبوابنا على ذواتنا الإجابة تبدأ من احترام هويتنا، والإيمان بأن لدينا ما يستحق أن يُبنى عليه، لا أن يُستبدل.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير