جفرا نيوز -
عامر طهبوب
ما زالت صديقتي «أم نور» تذكر مدرسة الزهراء في وسط البلد، والكلية العلمية الإسلامية التي انتقلت إليها، وزيارتها لسوق الذهب يوم خطبتها، وشرائها لشبكتها من محلات أبو سارة، وسكّجها، وتذكر سوق البشارات والحميدية والبخارية. لم تسقط ذاكرتها من اللويبدة شيئاً. ما زالت تحتفظ بصوت الخادمة السريلانكية في بيت كوثر النشاشيبي الذي يصل إلى الشارع، وأناقة سيدات الجبل، ورائحة أراجيل المقاهي التي طغت على رائحة زهر الليمون، وصوت قرقرتها الذي غطّى على صوت العصافير المغردة على أشجار البساتين، ورائحة شاورما لم تترك فسحة لرائحة الأكل في مطابخ سيدات الجبل للنفاذ إلى أنوف المارة.
وكانت محاسن الإمام تزور من وقت لآخر صديقتها «أم يعقوب»، صاحبة صيدلية اللويبدة، وتصحب أحفادها ليتذوقوا طعم ساندويتش الفلافل بالطحينية من «أبو محجوب»، ترقب الحوانيت وقد تبدلت الوجوه، ومركز الإعلاميات العربيات الذي أسسته عام 1999 في أول عمارة بنيت في الجبل في الشارع المؤدي إلى وسط البلد، لتطل من الشباك الغربي على المتحف الأردني، وتذكر مدرستي الٌأقصى، وضرار بن الأزور، ومديرها صلاح الدين ريال، وتراسنطة، وبيت عبد المنعم الرفاعي المجاور، وبيت سليمان النابلسي، ووصفي التل، وسمير الرفاعي، وغالب القسوس، والرزاز، وجويحان، وبجّالي، ومدرستي عائشة الباعونية، والأميرة عالية، ومديرتها زينب أبو غنيمة، والمعلمات فاليريا شعبان، وفيروز شقم، ولولو الرفاعي، ووجدان مهيار، ونبيلة أديب، ووهبة هاشم، ورندة هاشم، وليلى برقان، ونبيلة النجداوي، وقصة زيارة الملك الحسين للمدرسة عندما جلس على كرسي المديرة، فقرع الهاتف، حمل الملك رحمه الله سماعة الهاتف وأجاب، كان المتحدث من مدرسة تراسنطة: «ألو، نعم». قال الملك.
- إيمتى الملك رح ييجي يزور مدرستنا؟
* (ابتسم الملك) بعد شوي بكون عندكم.
لم يكن المتحدث يدري أن الملك هو الذي أجابه. بعد قليل غادر الملك الحسين طيب الله ثراه، وسار مشياً على الأقدام إلى مدرسة تراسنطة، يرافقه الشيخ محمد أمين الشنقيطي، والشيخ محمد علي الجعبري، وصلاح أبو زيد.
تلك هي ذاكرة محاسن، وذاكرة الجبل، وتلك ذاكرتي، ذاكرة الخليل، وذاكرة القدس، وذاكرة عمان، وذاكرة إربد، وتلك ذاكرة السلط أو الكرك، كلها ذواكر لأبناء شعب واحد موحد.
لا يمكن فصل الأمكنة التي سكنتنا عن تلك التي سكنّاها، حالة العشق للأرض وأهلها واحدة، لا تنفصل القدس عن عمان، ولا الخليل عن الكرك، ولا السلط عن نابلس، ولا تنفصل بيت لحم عن الفحيص أو الحصن، العشق غير قابل للقسمة، عشق اللويبدة، ووسط البلد، والسلط، أو الكرك، أو مادبا، أو إربد أو معان، وذاكرتي الشخصية تتداخل مع ذواكر آخرين من أحبة عرفتهم، وكانوا جزءاً من ذاكرتي، وكنت جزءاً من ذواكرهم، وكانت محاسن الإمام واحدة من ذواكر تحتفظ بمركزين رئيسيين في خلايا الذاكرة، الخلية الأولى اسمها القدس، والثانية عمان بامتياز. الأولى في وادي الجوز، والثانية في اللويبدة.