النسخة الكاملة

العواملة يكتب: منتخبات بلاد الشام

الإثنين-2025-12-08 10:21 am
جفرا نيوز -
د معن متروك العوامله 

انتصار الهوية في زمن الاحتراف السياسي والرياضي

ما تحقق في بطولة كأس العرب لم يكن حدثًا رياضيًا عابرًا بل كان رسالة سياسية بليغة أرسلتها منتخبات بلاد الشام إلى الإقليم والعالم في زمنٍ تتقدّم فيه دول بقدرات اقتصادية هائلة وتستند منتخباتها إلى التجنيس والامتيازات يخرج أبناء الشام ليقولوا إن القوة الحقيقية لا تُقاس بالميزانيات بل بثبات الهوية وصلابة الانتماء.

ورغم ما تمرّ به دول المنطقة من تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية ممتدة ورغم محدودية الموارد وضعف البنية التحتية الرياضية مقارنةً بدول تمتلك قدرات مضاعفة فإن منتخبات الشام أثبتت أن الانتماء الوطني ما زال العامل الأكثر تأثيرًا في المعادلة. ليس لأن الإمكانات وفيرة بل لأن هؤلاء اللاعبين يشكّلون الامتداد الطبيعي لشعوبٍ تشترك في الألم والأمل وفي تاريخٍ يؤمن بأن الكرامة لا تُستورد ولا تُستعار.

لقد أظهرت هذه المنتخبات أن بناء المجد الرياضي لا يحتاج إلى تجنيس جماعي ولا إلى جيوش من الخبراء والموازنات الضخمة يحتاج فقط إلى لاعبٍ يرى في قميص منتخب وطنه قضية سياسية لا مهمة وظيفية. فبينما ارتكزت بعض المنتخبات على عناصر مستوردة لتعويض غياب الهوية قدّمت منتخبات بلاد الشام نموذجًا مضادًا: هوية نقية وروح صادقة وجمهور يدافع عن وجوده قبل دفاعه عن شباكه.

سياسيًا ما حدث يكشف أن المنطقة تتغير وأن قوة الدول لا تقاس فقط بما تملكه من أدوات اقتصادية بل بما تختزنه شعوبها من تماسك ومعنويات. منتخبات دول بلاد الشام دخلت البطولة كأنها تدخل مفاوضات سيادية: تفاوض باسم الوطن وتقاتل باسم التاريخ وتُوقّع انتصاراتها على عشب الملاعب بدلاً من طاولات السياسة.

إنّ انتصار دول كانت تُصنّف بأنها  الأضعف من حيث الموارد على منتخبات تفوقها تجهيزًا وتمويلًا هو تذكير بأن الشرعية الشعبية هي أصل القوة وأن الدول التي تستثمر في الإنسان ولو بقدرات محدودة تستطيع أن تنافس من يملك كل شيء ما عدا الانتماء.

لقد أثبتت منتخبات بلاد الشام أن الكرامة الوطنية ليست شعارًا بل ممارسة يومية… وأن روح أبناء الأرض حين تُستدعى تستطيع أن تُربك كل معايير الاحتراف الحديث.

وبذلك تحوّل المشهد الرياضي إلى رسالة سياسية صلبة:
في عالمٍ يتغير بسرعة من يملك الشعب… يملك المستقبل
ما بحرث البلاد غير عجولها

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير