جفرا نيوز -
خالد مفلح البداوي
كل عربي عنده درج مليان أحلام… كل حلم مكتوب عليه كلمة "بكره".
معلّق على شماعة تنتظر يوم نقرّر نحركه من مكانه. وكأن بكرة شخص حيّ رح يجي ويحل كل المشاكل ويصلح الخراب. ومن يومها، صارت الأحلام كلها معلقة على شماعة اسمها بكره.
صرنا نحب الشماعة أكثر من الحلم نفسه، لأنها بتريحنا من صعوبة التنفيذ ومن صعوبة الواقع ومن مسؤولية العمل. صار الحلم واقف يستند مثل رجل تعبان على الحيط، رجليه ما عاد يشيل نفسه، واقف يشوفنا نمر من قدامه كل يوم نرمي عليه كلمة بكره ونمشي. صار عليه غبرة سنين طويلة، وإحنا نقوله: "اصبر، استنى شوي، بكره بنرجع لك." والحلم من كثر الوقفة صار يشيخ مثلنا.
الحلم العربي اللي كان مفروض يكون مشروع نهضة، صار مادة للنقاش وصارت نكتة يضحك عليها الناس. صار شعار ينكتب بخط كبير، والكلام يطلع من القلب، بس الفعل ما يتحرك من مكانه. صار وعد بلا طريق وكلام بلا أثر.
بنحكي عن وحدة عربية وإحنا مش قادرين نوحد كلمة بين اثنين، بنحكي عن مستقبل وإحنا لسه نعيش على ذكريات الماضي، بنحكي عن تقدم وإحنا كل ما يطلع مبدع نطفيه أو نقول عنه إنه ما بيمشي، بنحكي عن حرية وإحنا لسه نخاف من رأي مخالف، بنحكي عن تغيير وإحنا أول ناس نتمسك بالعادات حتى لو بتوجعنا.
أحلامنا كلها معلقة على شماعة بكره. وبكره نفسه صار يتعب، صار يشكي من كثرة الحمل اللي حطيناه عليه، وصار ما يتحمل كل مرة نحكي بكره. أحسن ننسى إنه بكرة يوم مثل كل الأيام، إذا ما اشتغلنا فيه، رح يضل يعدي بدون أثر، ويسحب معه أحلام كانت قادرة تعيش لو لقينا لها خطوة واحدة.
وأحياناً بنحس إننا غرقانين بعمق الزجاجة، كل كلمة نرميها وكأنها تحوم بيننا وبين الواقع، وكل مر يمر بدون تغيير، وبنضل نكرر نفس الأخطاء وننتظر الكرامة من غير ما نحرك رجل.
العربي مش شعب بلا حلم، بالعكس، هو شعب أحلامه أكبر من الواقع وأوسع من الأيام. شعب عنده طاقة وعنده ذكاء وعنده إرادة لو قرر يمشي للعالم كله. بس مشكلتنا بالعمل، مش بالفكرة. بالخطوة، مش بالكلام. وبأن نبلش، مش بس نوعد.
ولما تدقق شوي، بتشوف إنه العربي مهما ينكسر يرجع يقوم، ومهما يحبط يرجع يحلم، ومهما يضيق عليه الطريق يفتح فتحة صغيرة ويمشي منها. يمكن لأنه عنيد، ويمكن لأنه مؤمن، ويمكن لأنه ما بحب الهزيمة.
بس الحلم ما بيكفي. الحلم بده ناس تقف جنبه وتدعمه، مو تخليه واقف يستند على الحيط. بده ناس تشتغل، بده عقل يخطط، بده قلب ما يخاف من الفشل، بده خطوة صغيرة وصادقة، خطوة تفتح بعدها ألف خطوة.
ومهما كان الواقع قاسي، أحلامنا لسه واقفة تستند وما وقعت. لسه في مساحة بقلوبنا نترك فيها نور بسيط يحكي: يمكن بكره غير، يمكن تتعدل الأيام، يمكن تتبدل الظروف، يمكن نمد إيدنا وننزل الحلم من الشماعة ونمشي فيه على الأرض.
يمكن هذا هو السر اللي مخلي أحلامنا لليوم ما ماتت: إنها رغم كل التعب، لسه واقفة تنتظر اليوم اللي تصير فيه واقع، مش كلام وذكرى، ولا شماعة بكره