جفرا نيوز -
لما جمال العبسه
كعادته، يمضي الملك عبد الله الثاني في جولات مكوكية تحمل رسائل أبعد من البروتوكول الرسمي، إذ يسعى من خلالها إلى إبراز أهمية الأردن وقوته الاقتصادية والسياسية وإمكاناته المتعددة ليس فقط على مستوى المنطقة، بل على مستوى العالم.
الجولة الملكية المتجهة نحو آسيا والتي بدأت قبل أيام وشملت اليابان، فيتنام، سنغافورة، إندونيسيا وباكستان، تأتي في لحظة دولية مضطربة لتؤكد أن الأردن يملك القدرة على إعادة صياغة موقعه في شبكة العلاقات الدولية، وأنه يسعى إلى تنويع خياراته الاقتصادية والسياسية.
تحمل هذه الجولة أبعاداً اقتصادية واضحة، حيث يسعى الأردن إلى فتح أسواق جديدة لمنتجاته الصناعية والألبسة في دول ذات كثافة سكانية ونمو اقتصادي متسارع مثل فيتنام وإندونيسيا، كما أن التعاون مع اليابان وسنغافورة يفتح الباب أمام الاستفادة من خبرات متقدمة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المالية والابتكار الصناعي، وهو ما يشكل فرصة حقيقية لتعزيز الاقتصاد الأردني الذي يعاني من ضغوط مالية مزمنة لا علاج لها إلا بإعادة توجيه البوصلة نحو آفاق جديدة من الاستثمار، فاللقاءات مع مؤسسات كبرى مثل وكالة التعاون الدولي اليابانية «جايكا» وشركات عالمية تعكس رغبة الأردن في جذب استثمارات نوعية قادرة على إحداث نقلة في البنية التحتية والمشاريع التنموية.
لكن البعد الاقتصادي ليس وحده الحاضر في هذه الجولة، فالبعد السياسي يفرض نفسه بقوة، جلالته مدرك تماماً أن الاعتماد على الغرب لم يعد كافياً في ظل التحولات الجيوسياسية، وأن الانفتاح على آسيا يعكس رغبة في بناء علاقات متوازنة مع قوى صاعدة، فالمحطة الباكستانية على وجه الخصوص تبرز أهمية التعاون الأمني والعسكري، حيث يشكل التنسيق مع إسلام آباد إضافة استراتيجية في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة، هذه الجولة تحمل رسالة واضحة بأن الأردن يسعى إلى صياغة سياسة خارجية أكثر استقلالية، تضع مصالحه الاقتصادية والأمنية والسياسية في المقدمة، وتؤكد أنه شريك فاعل في شبكة العلاقات الدولية.
منذ توليه مقاليد الحكم، لم يدخر الملك عبد الله الثاني جهداً لتقديم الأردن كجسر بين الشرق والغرب، مستفيداً من موقعه الجغرافي ودوره الدبلوماسي، ليؤكد للعالم أجمع أن الأردن قادر على التكيف مع التحولات العالمية التي تجعل من آسيا مركزاً اقتصادياً وسياسياً متنامياً، فاختيار هذه العواصم ليس عشوائياً، بل يعكس رؤية مدروسة نحو مراكز اقتصادية صاعدة، ويؤكد أن الأردن يقرأ التحولات الدولية بوعي استراتيجي.
إن هذه الجولة تحمل طابعاً استثنائياً مختلفاً؛ داخلياً تعكس حرص القيادة على إيجاد حلول جديدة للأزمة الاقتصادية، وخارجياً هي رسالة بأن الأردن لاعب مستقل يسعى إلى شراكات متعددة الاتجاهات، وأنه يملك القدرة على إعادة رسم ملامح سياسته بما يخدم مصالحه الوطنية العليا.
جولة الملك عبد الله الثاني إلى آسيا تمثل أكثر من مجرد تحرك دبلوماسي؛ إنها إعلان عن مرحلة جديدة في السياسة الأردنية، مرحلة تقوم على تنويع التحالفات، تعزيز السيادة الاقتصادية، والانفتاح على قوى صاعدة، وبهذا، يضع الأردن نفسه في قلب التحولات العالمية، لاعباً لا متلقياً، وصانعاً رئيسيا، يسعى إلى بناء مستقبل أكثر استقلالية ومرونة.