جفرا نيوز -
خالد مفلح البداوي
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتداخل فيه المواقف، يظل العقل والوعي هما البوابة التي يجب أن تعبر منها كل كلمة قبل أن تصل إلى الناس. فالكلمة لم تعد مجرد رأي عابر، بل هي مسؤولية لها وزن وانعكاس على الواقع والمجتمع، وكل من يدرك قيمة الحوار يعرف أن احترام القانون واحترام الآخرين هو الضمانة الوحيدة لأي نقاش هادف. ولا يمكن لأي صوت أن يحظى بالمصداقية ما لم يكن مدعومًا بالوعي والانضباط.
لقد أصبح المواطن اليوم أكثر قدرة على تحليل ما يسمع وما يرى، وأكثر تمييزًا بين الرأي المدروس والانفعال العابر. وهذا النضج لا يستهدف أي شخص أو جهة بعينها، بل يعكس حالة نضج عامة تسعى إلى فهم الأمور بشكل صحيح، بعيدًا عن الإساءة أو التجريح أو أي تلميح يمكن أن يُساء فهمه.
وحين يكون العقل والوعي هما البوابة، تتضح الصورة وتخف الضوضاء. فالمطالب تُطرح بوضوح، والآراء تُقدَّم بميزان دقيق، والحوار يتحول من مجرد صدى إلى مشاركة حقيقية في البناء والفهم. وعندها يشعر المواطن أن وجوده في النقاش العام ليس عبئًا، بل قيمة تضيف للرؤية العامة، وتؤكد أن الإصلاح يبدأ من الكلمة قبل أي خطوة أخرى.
ومع نضوج هذا الوعي، يفهم الجميع أن النقاش ليس ساحة خصومة، بل مساحة للتفاهم وإيجاد الحلول، وأن اختلاف الآراء لا يقلل من قيمة أي طرف إذا تم التعبير عنه ضمن حدود القانون واللياقة. وهكذا تصبح المناقشات بناءة، والرسائل واضحة، والبيئة العامة للنقاش أكثر أمانًا للجميع، بعيدًا عن سوء التفسير أو التأويل الخاطئ.
وحين يتقدّم الوعي على الانفعال، يبقى العقل هو الحارس الذي لا يُرى، لكنه يترك أثره في كل جملة تُقال. وهو الذي يضمن أن الكلمة لا تُحمل فوق معناها، ولا تُقرأ على نحو يسيء لمن قالها أو لمن يسمعها. فالصوت المرتفع قد يفرض نفسه للحظة، لكنه لا يصنع أثراً إذا افتقد ميزان العقل. أما الكلمة الموزونة فهي التي تعيش طويلاً، وتترك أثرها دون أن تُساء قراءتها أو تُسبب ضرراً.
فالضجيج يعلو للحظة… لكن الكلمة التي يزنها العقل لا تموت،
لا تُخيف صاحبها، ولا تُسيء لغيره،
تبقى شاهدة على قوة الوعي،
على أن المستقبل يُبنى بالفكر لا بالصخب،
وأن الكلمة الموزونة هي وحدها التي تصنع الفرق،
وترفع الوطن فوق كل ضوضاء