النسخة الكاملة

الشتوة الاولى.. عندما تتنهد الارض فرحا

الأحد-2025-11-16 10:33 am
جفرا نيوز -

ماجد احمد السيبيه

مع أولى قطرات المطر هذا العام، شعرنا كأن السماء تُعيد وصلها بالأرض بعد غياب طويل. شيء ما في وقع المطر على التراب يوقظ فينا إحساسًا قديمًا، إحساسًا يشبه العودة إلى حضن الأم بعد سفرٍ مرهق. تتراقص الحبات الصغيرة على الأرض كأنها تبشّر ببداية مختلفة، بداية يتفتح معها القلب قبل الطريق، وتتنفّس الأرواح قبل النوافذ.

نحن أبناء هذا التراب نعرف جيّدًا معنى أول "شتوة". ليست مجرد حالة جوية؛ هي طقسٌ عاطفي، لحظة ينتظرها الناس كما ينتظرون زائرًا عزيزًا يغيب عامًا ثم يعود. نفتح النوافذ قليلًا، نمدّ أيدينا للمطر، ونشعر أن الهواء تغيّر فعلًا، وأن الأرض التي عطِشت طويلًا بدأت تستعيد نبضها.

كثير من البيوت أشعلت اليوم مدفأتها للمرة الأولى هذا الموسم. مشهد النار الهادئة والعائلة تلتف حولها ينسجم تمامًا مع صوت المطر في الخارج. كأن البيت نفسه يتنهد براحة. نلتف حول الدفء، نراقب تساقط المطر من خلف الزجاج، ونشعر بلحظة صفاء لا تتكرر كثيرًا في عالم مزدحم بالضوضاء والمشاغل.

هذا العام، نحن أكثر شوقًا لهذه اللحظة. لقد عانينا شتاءً جافًا العام الماضي، وودّعنا الصيف بأيام ثقيلة لا تنسى، كأن الشمس قررت أن تختبر صبرنا حتى آخر لحظة.
لذلك يأتي المطر هذه الأيام وكأنه يحمل رسالة حب وشوق وطمأنينة .. كأنها رسالة طمأنة تقول لنا: "ما زال في الموسم خير، وما زالت السماء كريمة بفضل الله وكرمه."

نحن نرجو من الله أن يكون هذا الشتاء موسمًا مليئًا بالبركة، أن تكتفي الأرض من الماء، وأن تمتلئ السدود، وأن تتنفس الأشجار، وأن يهدأ قلق المزارعين الذين يترقبون المطر أكثر من أي شيء آخر. المطر في بلادنا ليس مجرد جمال طبيعي؛ هو رزق، وأمان، وطمأنينة.

ورغم الفرح، لا ننسى أن للشتاء هيبته. نتذكر دائمًا السلامة، وتهوية البيوت عند استخدام المدافئ، والحذر من مجاري السيول، وتفقد قنوات التصريف وسلامة مركباتنا. فالمطر نعمة، وحماية أنفسنا وأهلنا واجبة حتى ننعم بهذه النعمة بلا خوف.

ومع ذلك، يبقى أجمل ما في أول شتوة هو ذلك الشعور الطفولي الذي لا نكبر عليه أبدًا. اللحظة التي نقف فيها أمام النافذة، نستمع لرقصة المطر، ونبتسم بلا سبب، كأن القلب استعاد صفاءه فجأة.

المطر الأول ليس حدثًا عابرًا… إنه بداية حكاية جديدة. حكاية نكتبها كل عام، وتكتبنا كل عام، وتُذكرنا بأن بعد كل حرّ، وبعد كل جفاف، يأتي الغيث من جديد.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير