جفرا نيوز -
بشار جرار
شتان بين التايكون والتايفون. الأول من الأسماء التي يعرف بها من كان ذا حظوة وسطوة وهيبة مالية أو صناعية، والثاني من أسماء الأعاصير المدارية، ما قبل الطوفانية! المال وغيره من الموجودات المادية، والمهنة والحرفة والصنعة لدى الموجودات البشرية -الموجودات بمعنى رأس مال أي مشروع- قادرة على حماية ما تخلفه الرياح والأمطار من نِعم وبركات، خالية من جانبها التدميري، المتمثل بما تأخذه في طريقها مما لم يقم بناءه على صخر متين مكين، أو زرع مبارك مثمر ضاربة جذوره في الأرض، بحيث لا تقوى الأعاصير الطوفانية على اقتلاعه.
صديقتنا جارتنا في آسيا، هي أكبر دول العالم ذات الغالبية المسلمة، وهي في غالبيتها الساحقة ما لم تكن كلها سنيّة المذهب، أو ما يعرف اصطلاحا ب «أهل السنة والجماعة». شقيقتنا إندونيسيا عرفت كيف تتعامل مع الأعاصير والطوفانات حتى دون تواصل ترابها الوطني كدولة كما هو معروف تقليديا لدى معظم بلاد المعمورة، ومن ضمنها العالم الإسلامي. إندونيسيا تعد سبعة عشر ألفا من الجزر بعضها أكبر من حجم بعض دول آسيا والقارات الخمس! هي أرخبيل عظيم في إمكاناته وتعدديته، وقد أحصتها مراجع متخصصة بما زاد على الرقم أعلاه بخمسمئة وثمان جزر. أرقام تطفو وتغفو تحت الماء بفعل عوامل المد والجزر وارتفاع منسوب المحيطين الهندي والهادئ ، وبها يتغير عدد القاطنين على كل جزيرة بعينها، مما يعيد رسم الدوائر الانتخابية على نحو مغاير لما تشهده أمريكا، في ظل التجاذب الحاصل بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي كالذي جرى في ولايتي تكساس وكاليفورنيا مؤخرا.
أكبر الدول المسلمة في العالم -283 مليون ونصف المليون نسمة- دولة ديمقراطية اتحادية لا مركزية، بمعنى فدرالية تقوم على سيادة القانون ودولة المؤسسات، شعارها الوطني «في التنوع أو التعددية قوة».. التعددية العرقية والدينية والمذهبية والطائفية ثرية، جلبت من كل خلفية المزيد من القوة والمنعة والازدهار للبلاد، للوطن الإندونيسي الواقع مرة أخرى في 17508 جزيرة التي لا يعكر صفو نسيجه الاجتماعي ووئام قواه السياسية أي بوق من وراء البحار. حتى الإرهاب الذي تسلل واندس في صفوف السواح الآمنين قبل ثلاثة وعشرين عاما وضرب منتجع بالي، سرعان ما تم القضاء عليه قضاء مبرما، واستعادت بالي وإندونيسيا عافيتها وألقها في شهور معدودات، واستطاعت عبر حسن التخطيط والترويج ومن ثم الاستقطاب والاستثمار، استعادة ثقة السواح الدوليين ببالي دون أن يبالي أحد بالمحرضين والمشككين من وراء البحار وظلماتها الدفينة تحت قطع من الليل والجهل.
السياحة البيئية أو الطبيعية، العلاجية والاستجمامية، الأثرية والدينية بجناحيها المسلم والمسيحي، الصناعة السياحية الأردنية منجم من الفرص للاستثمارات الأردنية الإندونيسية المشتركة، فضلا عن قطاعات أخرى من بينها التعدين، والعالم كله الآن مأخوذ بصفقات الحرب والسلم الخاصة ب «المعادن النادرة».
المعدن الحر الأصيل يبقى في «أغلى ما نملك».. الإنسان الأردني بإمكاناته العلمية وخبراته وإبداعاته قادر على إيجاد شركاء في الشقيقة الكبرى -إسلاميا من حيث التعداد السكاني- وهي الدولة الساعية بخطى حثيثة للتشبيك في عالم يعيد تشكيل توازناته وتحالفاته ومن ضمنها الساحة الشرق أوسطية التي ستشهد عند انضمام إندونيسيا الوشيك لاتفاقات إبراهم، فرصا استثمارية من المهم جدا أن يكون الأردن حاضرا فيها، سيما وأن التغييرات الأمنية والعسكرية والسياسية، غالبا ما تسبقها وترافقها وتليها، ترتيبات ذات طبيعة اقتصادية اجتماعية يتم الإعداد لها بعناية فيما تعرف بالقوى الناعمة، ومنها الثقافة والفنون والرياضة والإعلام..
من الآخر، ثمة أرخبيل من المال والأعمال ممتد من عمّان إلى جاكرتا. وبعض جسور الاستثمار في المستقبل على بعد نقرة واحدة «كْلِكْ»، يبادر إليها مستثمر أردني أو إندونيسي، أو شريك ثالث صديق للبلدين كأمريكا، بالاتصال مع الجهة المناسبة في الوقت المناسب. كم من الدول من حولنا وصلت إلى أدغال دول بعيدة في القارة السمراء، عبر تقنيات الريّ بالتنقيط؟! الجولات الملكية الخارجية في مشارق الأرض ومغاربها، جديرة بارتقاء الجميع إلى مستوى الواجب والانتباه الشديد لدقة التوقيت ودلالة الوجهة التي يستهدفها سيدنا بالعمل المبادر والمتابعة الحثيثة الدؤوبة. و»مِلْحْقين» على متابعة زوابع فناجين الصالونات عبر بعض الفضائيات والمنصات البائسة التي تكاد تهيج وتموج مع كل انطلاقة جهد مبارك، مكرس لتحقيق شعار الأردن أولا ودائما، قولا وعملا..