النسخة الكاملة

الموازنة... بين أرقام الحكومة وصوت المواطن

الأربعاء-2025-11-12 09:59 am
جفرا نيوز -
خالد مفلح البداوي

عادت الموازنة العامة إلى واجهة النقاش تحت قبّة مجلس النواب، محمّلةً بالأرقام والتوقعات والآمال. جلسة الأمس لم تكن عادية؛ فهي الأولى بعد تقديم مشروع قانون الموازنة لعام 2026، وقد حملت في طيّاتها ما يعكس حرص الدولة على التوازن بين الإصلاح المالي ومصلحة المواطن.

وزير المالية عرض أبرز ملامح المشروع، متحدثاً عن نمو متوقّع في الناتج المحلي بنسبة تقارب 2.9%، وعجز مالي يُقدّر بنحو 2.1 مليار دينار، مع تأكيده أن الحكومة تسعى إلى ضبط النفقات دون المساس بخدمات المواطن الأساسية.

ومن خلال كلمة وزير المالية، يُستشفّ أن الحكومة تسعى إلى تحقيق توازنٍ دقيق بين ضبط النفقات وتحفيز النمو الاقتصادي، بما ينسجم مع الظروف المالية العامة للدولة. وقد حرص الوزير في حديثه على التأكيد بأن الهدف من السياسات المالية ليس المساس بحقوق المواطنين أو الخدمات الأساسية، بل تعزيز الكفاءة في الإنفاق وتوجيه الموارد نحو القطاعات المنتجة والتنمية المستدامة.

ويبدو أن الرسالة الأساسية من الكلمة هي الإصرار على الاستمرار في الإصلاح المالي ضمن نهجٍ تدريجي يحافظ على الاستقرار، مع التأكيد على ضرورة أن تنعكس هذه الجهود في النهاية على مستوى معيشة المواطن وفرص العمل وتحسين الخدمات العامة.

وفي المقابل، ركّز عدد من النواب على ضرورة تحسين الأوضاع المعيشية، ودعم الفئات محدودة الدخل، وتوجيه المشاريع التنموية نحو المحافظات الأقل حظاً، في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية.

النقاش النيابي اتّسم بالحيوية وتنوّع الآراء، وهو مشهد صحيّ في الحياة البرلمانية، لكن جوهر النقاش يبقى في مدى اقتراب الموازنة من هموم الناس، لا من جداول الأرقام. وهنا، تقع على عاتق النواب مسؤولية وطنية وأخلاقية في أن يكون صوتهم ترجمةً لصوت المواطن الذي حملهم الأمانة، ومنحهم ثقته، وانتظر منهم أن يكونوا لسانه الصادق تحت القبة. فالمواطن اليوم لا يطلب المستحيل، بل ينتظر أن تُعبّر الموازنة عن واقعه، وأن تضع كرامته ومعيشته في صميم أولوياتها.

وفي هذا السياق، تتجلى التوجيهات الملكية السامية التي تؤكد دوماً على أن الأولوية يجب أن تكون لتحسين معيشة الأردنيين، وتعزيز فرص العمل، وتحقيق التنمية المتوازنة. فحرص جلالة الملك عبدالله الثاني على المواطن كان وما زال محور السياسات الوطنية، وضمانة استمرار المسار الإصلاحي بثقة وثبات.

لقد أحال المجلس مشروع الموازنة إلى لجنته المالية لمزيد من الدراسة والتقييم، في خطوة تعكس التزام السلطتين التشريعية والتنفيذية بالعمل المؤسسي الهادف لخدمة الوطن. ومع أن الأرقام تبقى لغة الاقتصاد، إلا أن الأمل الحقيقي هو أن تتحول هذه الأرقام إلى أثرٍ ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية.

وفي النهاية، فإن الموازنة ليست مجرد جداول مالية، بل مرآة لنبض وطنٍ يريد أن يرى أبناءه يعيشون بكرامة. صوت المواطن هو الحقيقة التي لا تُختصر في رقم، وهو الميزان الذي به يُقاس النجاح أو الإخفاق. فإذا ما لامس صوت الشعب وجدان القرار، عندها فقط تصبح الموازنة عقدَ وفاءٍ بين الدولة وأبنائها، لا ورقةً تُطوى على رفوف النقاش.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير