النسخة الكاملة

المخدرات: آفة تهدد مستقبل الأفراد والمجتمعات

الإثنين-2025-11-10 09:38 am
جفرا نيوز -
خالد مفلح  البداوي

قضية المخدرات ليست مجرد مشكلة أمنية أو مسألة أخلاقية فردية، بل هي وباء شامل يضرب صميم النسيج الاجتماعي والاقتصادي لأي أمة. تزحف هذه الآفة بخطوات بطيئة لكنها مميتة، مستهدفة أغلى ما يملكه المجتمع، وهو شبابه الواعي ومنتجه. يصبح الفرد المتعاطي أسيرًا لدائرة مفرغة من المرض واليأس، تنهش في جسده وعقله، وتقوده إلى تدهور صحي حاد قد ينتهي بأمراض مزمنة أو حتى وفاة مبكرة، ناهيك عن الآثار النفسية التي تجعله معزولًا وغير قادر على أداء أبسط مسؤولياته.

التكلفة الحقيقية للمخدرات تتجاوز بكثير ثمن المواد نفسها. فهي تهدم النسيج الأسري، فتتحول البيوت الهادئة إلى ساحات صراع وفقدان ثقة، ويصبح الأب أو الابن المدمن مصدر قلق وخطر بدلًا من أن يكون سندًا للأسرة. هذا التفكك يلقي بظلاله على الجيل التالي، الذي قد ينشأ في بيئة غير مستقرة، مما يزيد احتمالية انجرافه نحو الإدمان أو الانحراف. وعلى الصعيد الاقتصادي، تستنزف المخدرات موارد ضخمة كانت مخصصة للتنمية، حيث توجه الأموال لمكافحة التهريب والتوزيع، ولتوفير مراكز العلاج والتأهيل، بينما تنخفض إنتاجية الأفراد المصابين بالإدمان، فيتأثر سوق العمل والنمو العام.

محاربة هذا العدو المعقد تتطلب استراتيجية وطنية متكاملة، لا تقتصر على الجانب الأمني وحده. يجب أن ترتكز على ثلاثة محاور: الوقاية، والعلاج، والمكافحة. تبدأ الوقاية من التوعية المدرسية والإعلامية المكثفة، لترسخ الوعي بمخاطر الإدمان وتعزز لدى الشباب مهارات رفض الضغوط السلبية. أما العلاج، فيجب أن يشمل مراكز تأهيل متخصصة لا تقتصر على إزالة السموم فقط، بل تعالج الجانب النفسي والاجتماعي وتساعد المتعافي على الاندماج مجددًا في المجتمع، مع توفير فرص عمل لضمان عدم انتكاسه. أما المكافحة، فتقودها الأجهزة الأمنية بحزم لضرب شبكات التهريب والاتجار غير المشروع، فكل تاجر يتم ضبطه وكل غرام مخدرات يتم مصادرته هو حماية لمستقبل جيل بأكمله.

معركتنا ضد المخدرات ليست اختيارية، بل مصيرية. تتطلب تضافر جهود الجميع، من الأسرة إلى أعلى سلطة في الدولة، من أجل بناء مجتمع صحي، منتج، وآمن، يضمن للشباب مستقبلاً واعدًا بعيدًا عن براثن هذه الآفة القاتلة

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير