جفرا نيوز -
محمد علي الزعبي
حين نتحدث عن الإعلام الرسمي الأردني، لا يمكن تجاوز اسم معالي علي العايد، الرجل الذي أعاد التوازن إلى معادلة دقيقة بين الإعلام كأداة للتنوير، والدولة كمنظومة تستمد قوتها من الصدق والاتزان لا من الضجيج.
العايد ليس طارئًا على المشهد، بل هو امتداد لمدرسة فكرية رسمية عريقة، تؤمن بأن الإعلام مسؤولية وطنية قبل أن يكون مهنة، وأن الكلمة إذا خرجت من فكرٍ صادقٍ وضميرٍ يقظٍ، تصبح سلاحًا في وجه التزييف والتأويل.
في عهده، استعاد الإعلام الحكومي شيئًا من هيبته واحترافيته، وأصبح أكثر اتساقًا مع لغة الدولة الحديثة التي تقودها الرؤية الملكية، فكان العايد صوتًا هادئًا في زمن الصخب، ومهندسًا دؤوبًا لترتيب البيت الإعلامي، بوعيٍ إداريٍ وتخطيطٍ منهجيٍ يليق بتاريخه الدبلوماسي والسياسي الراسخ،
لقد تعامل مع الإعلام لا كواجهة ناطقة، بل كمؤسسة تحمل رسالة الدولة وتُعبّر عن وعيها الجمعي ومسؤوليتها تجاه المواطن، فكان حريصًا على أن تبقى المنصات الرسمية في موقعها الطبيعي: منبرًا للوطن لا لتمجيد الأشخاص، ومساحةً للعقل لا للمزايدات.
وفي تعامله مع الصحفيين والإعلاميين، كان العايد يؤمن بأن دعم الصحافة الحرة الواعية هو حجر الأساس في بناء خطاب إعلامي ناضج ومسؤول، فتح أبواب الحوار، وكرّس مبدأ الشراكة بين الإعلام الرسمي والمستقل، فخفّف من فجوة التوجس، وعزز الثقة بين مؤسسات الدولة والميدان الصحفي.
ولأن العايد ينتمي إلى جيلٍ خبر أروقة الدولة وتفاصيلها، فقد أدرك أن الإعلام لا يُدار بالمزاج ولا بالمجاملات، بل بفكرٍ مؤسسيٍ منضبطٍ، يضع المعلومة الصحيحة في مقدمة الأولويات، ويمنح الحقيقة حقها في الظهور دون رتوش.
لقد استطاع أن يعيد للإعلام الأردني صورة الدولة الواثقة، فكانت تصريحاته دائمًا محسوبة، ومواقفه مدروسة، ومفرداته تختزل عمق الدولة في جملةٍ موجزة. هو من أولئك الذين يتحدثون حين يستدعي الموقف ذلك، ويفضّلون الصمت حين يصبح الكلام ضجيجًا لا فكرًا.
اليوم، ونحن نقرأ المشهد الإعلامي الأردني بتوازن ووعي، ندرك أن بصمة علي العايد ما زالت واضحة في كل زاوية من زوايا العمل الحكومي الإعلامي، من ضبط الإيقاع، إلى استعادة المهنية، إلى تعزيز الثقة بالصحافة الوطنية،
لقد ترك بصمة فكرية في منظومة الاتصال الحكومي، جمعت بين الدقة والدبلوماسية، وبين الصرامة والإنسانية، ليبقى العايد في ذاكرة الإعلام الأردني واحدًا من الذين أعادوا تعريف وظيفة الكلمة ومكانة الحقيقة،
إنه بحق، رجل الدولة الذي جعل من الإعلام ضميرًا ناطقًا للوطن، لا صدى للأشخاص.